Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

وي!

A A
هي من كلمات التعجب الرائعة في لغتنا الجميلة... واحدى تطبيقاتها المتميزة تجدها في لغة الحجاز العامية لتعظيم المعنى. وفي هذا المقال سأتطرق إلى بعض من الحالات غير المتوقعة للمعنى لأنها مبهرة جداً: أبدأ بعالم استكشاف الفضاء، وتحديداً بجهود وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» لاستكشاف المناخ، والغلاف الجوي، وتضاريس سطح كوكب المريخ عام 1998 من خلال مركبة فضائية غير مأهولة وزنها 638 كيلوجراماً تم إرسالها من الأرض في رحلة دامت لفترة 286 يوماً. واستخدمت تلك المهمة قمة التقنيات الحديثة آنذاك للدفع، والملاحة، والتحكم.. كانت هناك اتصالات مستمرة لتحديث المسار من خلال إشارات ترسل من المركبة نفسها إلى الأرض، ويتم تحديثها بدقة متناهية. وكانت إحدى الجهات المسئولة عن التحديث هي شركة «لوكهيد مارتن».. وفي عالم الفضاء تتمتع تلك الشركة بمكانة شبيهة بمكانة الفنان الكبير محمد عبده في عالم الفن.. يعني في القمة. وعند وصول المركبة إلى مدار المريخ، طرأت لحظة «وي» فنية هائلة بسبب انخفاض مسار المركبة إلى مستوى مدار تسبب في تحطمها.. والسبب كان أغرب من الخيال: كانت حسابات التحكم المستخدمة من الشركة المرموقة معتمدة على وحدات القياس الإنجليزية.. القدم والرطل وخلافه.. بينما كانت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا تعتمد النظام المتري للقياس.. والمتر والكيلوجرام لا يختلطان جيداً مع الرطل والقدم، فكانت لحظة «وي» وفقدت المركبة التي كلفت أكثر مما يفوق مبلغ ستمائة مليون ريال.. وكلفت أيضاً انعدام ثقة العالم في «قبضايات» استكشاف الفضاء.

ومن حالات «وي» الشهيرة كانت عندما استلمت خطوط «اير كندا» طائرتها الجديدة من طراز بوينج 767 في 23 يوليو عام 1983.. وكانت مشبعة بأجهزة التحكم الالكترونية الحديثة، ولكن أراد الله أن تصاب عدادات كمية الوقود بالعطب في إحدى أوائل رحلاتها، وهذه ليست حالة غريبة فالعديد من الأجهزة الإلكترونية قد تحتاج إلى فترة «نقاهة وتعارف وإدارة دلع».. مثل فترة ما بعد شهر العسل مباشرة للعرسان الجدد. والإجراء المتبع في تلك الحالة كان اللجوء للحسابات اليدوية لتقدير كمية الوقود لكل طلعة. وفي تلك الفترة كانت خطوط طيران «اير كندا» في مطلع تغيير استخدام الوحدات من الإنجليزية إلى المترية.. وفي حالة الوقود من الرطل إلى الكيلوجرام.. وللعلم فتقاس كمية الوقود عادة بالوزن وليس باللترات أو الجالونات.. الشاهد أن تقدير احتياجات الرحلة كان بالنظام القديم بالأرطال.. ولكن احتياجاتها الفعلية كانت بالكيلوجرامات فأقلعت الطائرة في رحلتها من العاصمة أوتوا الى مدينة مونتريال بحوالي نصف كمية الوقود.. وعند تحليقها على ارتفاع ستة وثلاثين ألف قدم انتهى الوقود فجأة، وخلد المحركان إلى النوم فكانت لحظة «وي» مدوية. ولَطَف الله بركاب الرحلة فهوت الطائرة العملاقة برفق شراعياً وهبطت اضطراريا بسلام على أحد مدارج الطائرات القديمة والمستخدمة لسباق السيارات في بلدة «جِملي» وأصبح اسم الواقعة «شراعية جِملي».

وأخيراً، فأمامي الآن قائمة تحذيرات مرعبة للمصطلحات الطبية التي يمكن أن تتسبب في لحظات «وي».. وقد أصدرها «معهد الإجراءات الطبية الآمنة لتجنب الأخطاء»...وتشمل على سبيل المثال تجنب استخدام حرف «M» للإشارة إلى وحدة الألف لأنها قد تفهم وكأنها مليون، ويفضل استخدام كلمة «ألف» بدلاً من الحرف.. وحروف «ng» التي ترمز إلى مقدار»نانو جرام» أي واحد على البليون من الجرام لأنها ممكن أن تفهم بأنها mg أي واحد على الألف من الجرام...وتجنب حروف AD AS AU وترمز للأذن اليسرى، واليمنى، وكلتا الأذنين، لأن الحروف ممكن أن تقرأ OD OS OU

وترمز للعين اليمنى، واليسرى، وكلتا العينين.. وينصح بكتابة العين أو الأذن.. وكل هذه التجاوزات المحتملة يمكن أن تؤدي إلى مشاكل كبيرة.

أمنيــة

الحمد لله على ألطاف الله التي لا تعد ولا تحصى...ولولا تلك الألطاف والستر، كان من الممكن أن تكون كلمة «وي» من أساسيات حياتنا اليوم وكل يوم. أتمنى أن نتذكر ذلك في حِلنا وترحالنا، وهناك المزيد لهذا الموضوع مستقبلاً إن شاء الله،

وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store