Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

قراءة في مشروع مدوّنة الأحوال الشخصية (3)

A A
سأتوقف في هذه الحلقة عند:

أولًا: حقوق الزوجيْن

1. استوقفتني الفقرة (3) من المادة (43) التي نصّت على:

«العدل بين الزوجات في القسم والنفقة الواجبة إن كان للزوج أكثر من زوجة»، ولم تضع شروط التعدد وضوابطه، وجعلته بذلك حقًا مطلقًا للزوج بلا قيد ولا شرط، فالآية (3) من سورة النساء اشترطت العدل بين الزوجات، وإلّا فواحدة

(فإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) وقال تعالى في آية (129) من النساء: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)

2. استوقفتني الفقرة (2) من المادة (44) عن حقوق الزوجين، والتي جاء فيه: «ألّا تترك مسكن الزوجية إلّا بإذنه أو بعذر شرعي»، هذه الفقرة غير واضحة، فلم تُبيِّن ما المقصود ألّا تترك بيت الزوجية إلّا بإذنه أو بعذر شرعي. هل هي في سجن؟، أليس من حقها أن تخرج من بيتها لقضاء حوائجها، للعمل، للدراسة، للعلاج، لزيارة والديها، وباقي أهلها؟

هذه الفقرة تتعارض مع الأمر السامي الكريم رقم (م/134) وتاريخ 27/11/1440 هـ الذي أعطى للمرأة البالغة سن 21 سنة حق السفر خارج المملكة بدون تصريح من ولي أمرها، فكيف لا يحق لها أن تخرج من بيتها لدراسة أو عمل، وللعلاج، وقضاء حوائجها، وزيارة والديها وأهلها إلّا بإذن الزوج؟

ولأنّ المادة الأخيرة من هذا النظام (254) نصّت على أنّ هذه النظام يُلغي كل ما يتعارض معه من أحكام عند بدء العمل به بعد مضي تسعين يومًا من تاريخ نشره!

فهذا سيعيدنا إلى المربع الأول، وستُقيّد حركة المرأة ومجالات عملها، ممّا سيعرقل تنفيذ رؤية (2030)!!

فهذه المادة جد خطيرة، وسيترتب عليها إلغاء الكثير من الأنظمة والقوانين التي تتعارض مع موادها مثل هذا التعارض!.

ثانيًا: النفقة؛ إذ استوقفتني المادة (47) والتي تنص على: «النفقة حق من حقوق المنفق عليه، وتشمل الطعام، والكسوة، والسكن، والحاجات الأساسية حسب العرف». والسؤال هنا: لمَ التحفظ على العلاج، وهو من أهم واجبات النفقة، ولكن فقهاء المذاهب الأربعة قد قرّروا أنَّ الزوج لا يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة من أجرة طبيب وحاجم وفاصد، وثمن دواء، وإنَّما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها، لأنّ التداوي لحفظ أصل الجسم، فلا يجب على مستحق المنفعة كعمارة الدار المستأجرة تجب على المالك لا على المستأجر» ويقول ابن قدامة» الحنبلي» في المغني: «ولا يجب عليه -أي الزوج- شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنّه يراد لإصلاح الجسم، فلا يلزمه، كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها، وكذلك أجرة الحجام والفاصد». ولهذا تحفّظ واضعو هذا النظام على إلزام الزوج صراحة علاج زوجته، مع أنّ اجتهادات الفقهاء الأربعة هذه مجرد آراء شخصية لا تستند على أدلة من القرآن والسنة، بل تتعارض مع إلزام الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه البقاء مع زوجته المريضة، قائلًا له: «أقم معها، ولك أجْر مَن شهِد بدرًا وسهمه».. أخرجه البخاري. وأرى ضرورة التصريح بوجوب علاج الزوج زوجته، لذا أقترح أن يكون نص المادة (47) : «النفقة حق من حقوق المنفق عليه، وتشمل الطعام، والشراب، والكسوة، والسكن، والعلاج والدواء، والحاجات الأساسية حسب العرف».

ثالثًا: كما استوقفني ربط المادة (47) بالمواد من (48- 56) التي تناولت أحكام النفقة عند النزاع بين الزوجين، أو عند انفصالهما، وكأنّ نفقة الزوج على زوجته لا تجب إلّا في حال نشوب نزاع بين الزوجين. ومن هنا أقترح أن توضع المادة (47) بعد التعديل المقترح ضمن حقوق الزوجة. وصياغة باقي مواد النفقة ضمن (الباب الثالث: الفراق بين الزوجيْن).

رابعًا: المادة (59) ينقصها افتراض قيام الزوجة بالنفقة على البيت ومن فيه، وإن كان الزوج يملكه أو يدفع إيجاره، أو تشترك مع زوجها في النفقة، وكذا الحال بالنسبة للزوجة التي تملك البيت، أو تدفع إيجاره، ولكن الزوج هو الذي يتولى الإنفاق على من بالبيت، أو يشترك مناصفة مع زوجته في النفقة. ثمّ من الذي يُقرر وقوع الضرر على الزوجة بسكنى والدي زوجها أو أولاده من غيرها؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store