هناك أرواح مهما طال الأمد تبقى حاضرة في الوجدان غيابها لا يعوضه أحد ولا يمكن أن تكتمل فرحتك إلا بوجودهم معك فتستشعر وتتيقن بأن وعد الله متحقق في جمع الأحبة في دار الخلود عند مليك مقتدر.. مر على وفاتك يا أماه أكثر من تسع سنوات ولازال حضورك معنا قائمًا، أتخيل كل لحظة كنا نعيشها معًا ونحن نحتفل بالشهر وصلاتنا معًا في المسجد النبوي آخر مرة في ختم القرآن الكريم مازالت حاضرة في ذهني بكل تفاصيل ذلك اليوم وتلك الدعوات التي كانت تهوي لمسمعي وأنا بقربك، كم افتقدها واحتاجها في كل لحظة وحين، رحمك الله رحمة الأبرار يا من كنت أمًا وأختًا وصديقة ورفيقة عمر.
* في رحاب المدينة النبوية حظيت بالصلاة في الحرم النبوي الشريف مع عدد كبير من أئمة الحرم وبقي خالدًا في وجداني وأعماق روحي الصلاة خلف الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه الله وخطبته المعروفة في ليلة السابع والعشرين من رمضان، كنت أذهب مع والدي حفظه الله لصلاة التهجد في وقت أعمال التوسعة وكان عدد الصفوف محدودًا والزحام لا يكاد موجودًا فتحظى الروح بمزيد من السكينة والطمأنينة بعيدًا عن صخب الحياة، وكنا نتحين صلاة الفجر في الجمعة الأخيرة من رمضان والتي يقرأ فيها الشيخ سورة السجدة، مازالت عالقة في ذاكرتي تلاوة هذا الشيخ رحمه الله.
أما الشيخ علي جابر كنت أتعلم تلاوة القرآن وتجويده من خلال الاستماع لتلاوته في صلاة التراويح في مكة وأقوم بتسجيلها واسترجاعها مرات ومرات ومازالت الأشرطة في مكتبتي الخاصة أحتفظ بها، حتى بعد سنوات مرت وجاء الشيخ علي جابر للإقامة في المدينة النبوية وكان أستاذًا في كلية التربية فرع جامعة الملك عبدالعزيز كنت أحرص على حضور محاضرات في الفقه المقارن التي كان يقدمها لطلابه وطالباته ورغم تخصصي العلمي كنت أستمع لصوت الشيخ ومخارج الحروف والتمكن من اللغة وتيقنت حينها أن القرآن نور يضيء للإنسان دروب حياته ويورده مسالك الصالحين ويرتقي فيه وبه دروب العلم النافع والدرجات العلى في الجنة.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته واجعل قلوبنا معلقة بك وبأنك ناصرنا وأنت حسبنا ونعم الوكيل، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، واجعل رمضان هذا لنا عامرًا بالخيرات والبركات ورفع الدرجات وقبول الأعمال الصالحة وتكفير السيئات واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم حتى نلقاك وأنت راض عنا ياكريم ياجواد ياعظيم.