Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

عمّو مَرَضَان؟!

A A
روت لي ابنتي المبتعثة في أمريكا حادثة أعدّها من المضحكات المبكيات، أن ابنها الطفل الصغير أشار بإصبعه إلى التليفزيون ليقول: (عمّو مَرَضان) وأدركت أنه يشير إلى إحدى الشخصيات الكرتونية التي تدأب إحدى القنوات الفضائية الشهيرة على عرض مقاطع هزلية لها خلال شهر رمضان فقط، وتكون هذه المقاطع فواصل بين برنامج وآخر، أو عند عرض الإعلانات التجارية التي تكون في هذه القناة وغيرها في رمضان بالعشرات، بحيث يعرض من المسلسل أو البرنامج ما مدته سبع دقائق مثلاً، ثم تأتي الإعلانات في عشر أو أكثر. ويبدو أن الشخصيات الشائهة في نظري ارتبطت بشهر رمضان في أذهان الكبار قبل الصغار، وعلمت من ابنتي انها تسمى (فنانيس) والاسم نفسه منفر ومقزز، وقد أصبحت بضاعة رائجة وصنعت منها دُمىً وأدوات منزلية وتحف كثيرة على أشكالها وتنتشر في الاسواق انتشار النار في الهشيم كما رأيتها بأم عيني في جدة والرياض، بل انني سألت بائعاً في أحد المتاجر إن كانت رائجة وتحقق مبيعات مناسبة فأفادني بانها تنفق من السوق بمجرد وصولها فالإقبال عليها مذهل. ويبدو أن واحداً من هذه الشخصيات هو الأشهر وهو السمين الذي يتسم بالبلاهة أو (العبط) كما يقول إخوتنا المصريون، وتدور حوله معظم المقاطع التي تعرضها القناة. ولعل عرض الكرتون في حد ذاته ليس أمراً مشيناً ولاغبار عليه، ولكن ربط هذا النوع من الكرتون بشهر رمضان هو المستقبح والمرفوض، وقد شهدت حادثة مماثلة في بيت أحد الاقرباء في رمضان، حين ظهرت هذه الشخصية الكرتونية، فصاح طفل في الخامسة او السادسة: (رمضان): شوفوا رمضان. ونطق باسم الشهر صحيحاً، بينما قلَبَ الطفل الصغير الآخر الذي لم يتجاوز الرابعة الاسم فقال: (مَرَضان). ويخيل لي أن ارتباط هذه الشخصيات برمضان يشبه الى حد بعيد ارتباط عيد الميلاد عند النصارى ببابا نويل أو سانتا كلوز، علما بأن سانتا يعرفه أبناء النصارى بأنه يجلب لهم هدايا العيد ليلاً ويحملها على عربته التي يجرها الغزلان، وبالطبع فإن آباء الاطفال يحضرون الألعاب خلسة ويضعونها بالقرب من شجرة الميلاد ليقولوا لاطفالهم إن سانتا أحضرها لهم في الليل. وعليه فان شخصية سانتا تتسم بالعطاء وهي سمة ايجابية، بينما تتسم شخصيات الفنانيس بالغباء والبلاهة خاصة شخصية السمين التي أشرت اليها، فلا يكون لائقاً أبداً ان ترتبط هذه الشخصيات التي تشبه صور الجن والعفاريت في أفلام الكرتون برمضان أبداً، وليس أدل على هذه المصيبة من أن صغارنا يشيرون الى إحدى شخصياتها بعمو مَرَضان .

أذكر أنه الى عهد قريب كانت ترتبط برمضان بعض العادات الاجتماعية خاصة في مصر الحبيبة وهي (الفوانيس) وهي مصابيح ملونة يحملها الاطفال في رمضان ويرددون: «وحوي يا وحوي». ثم انتقلت الينا هذه الفوانيس ولن نجد فيها ضرراً لأنها تشيع الفرح والبهجة بين الأطفال، لكن ما نعيشه اليوم أن (الفوانيس) تحولت الى (فنانيس) وأصبحت مرتبطة برمضان شئنا أم أبينا. وكأن لا يكفينا ما يخصص لرمضان من مسلسلات أقل ما يقال عنها إنها لا تمت لرمضان بصلة وهي بالعشرات وتحقق دخولاً فلكية لمنتجيها وعارضيها، وانا لست ضد الفن الهادف البناء، حتى لو كان عملاً يقصد منه الهزل والضحك، ولكن المؤسف ارتباط هذه الأعمال برمضان خصوصاً، وهذا

دأبنا منذ ظهور الفضائيات. وبذلك يكون لدينا حقيقة (مَرَضان): مرض المسلسلات ومرض (الفنانيس).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store