Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الدراما السعودية.. إلى أين؟

الدراما السعودية.. إلى أين؟

A A
تخيل أن يتم إنتاج عمل درامي سعودي ضخم يتناول حقبة توحيد المملكة العربية السعودية مرورًا بكافة الأحداث التاريخية منذ عقود ويستمر إلى عصر النهضة والقفزة التي يعيشها الوطن اليوم بإنتاج وإخراج يحاكي الإنتاج السينمائي العالمي بل يتفوق عليه، عمل ضخم يستنفر الأقلام المُخضرمة والجديدة ويستقطب كوكبة من المحترفين انتاجًا وإخراجًا وتمثيلًا، يُقدم إرثًا تاريخيًا عظيمًا وتطورًا وطنيًا كبيرًا فيجمع ما بين أصالة الماضي وعراقته وجمال الحاضر وإنجازاته بطريقة درامية مشوِّقة، عمل يحفظ تاريخنا وحضارتنا وتراثنا وآثارنا وينقلها بصورة مُبهِرة إلى العالم، ويمُر على آثار بلادنا وقصص الأجداد وروائع ما سطّره التاريخ على أرضنا.

هل هذا حلم مستحيل، على قنواتنا التلفزيونية التي فاجأت المشاهد مع بداية شهر رمضان المبارك بأعمال درامية كالصاعقة المُدمِرة من شدة هشاشتها وسطحيتها واستخفافها بالعقول مما دفع بالكثير إلى الاتجاه نحو قنوات أخرى بحثًا عمّا يُشبع احتياجاتهم التي تتوازى مع ذائقة عالية ووعي مرتفع يرفض الاستخفاف بالعقل والذوق.

فقد شهدت الدراما السعودية التي تم عرضها مع بداية شهر رمضان المبارك هجومًا كبيرًا في فضاء السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي سواء من ناحية الموضوعات المطروحة أو طريقة عرضها السطحية واستخفافها بفكر المشاهد وعقله.

فمن حق المشاهد إبداء رأيه والاعتراض على ما قُدِّم من تسطيح للوعي وهبوط بالمستوى الفني؛ فلَمْ تُنفق تلك الميزانيات والإمكانات والجهود إلاَّ من أجل المواطن السعودي أولًا فالفن جزء من الجوانب التي أولتها الدولة اهتمامًا وضمنتها في خططها ورؤيتها المستقبلية.

القضية هنا ليست مجرد برامج تلفزيونية تُعرض وتُقابل بالاعتراض بل هي أكبر وأشمل، فتلك البرامج والمسلسلات تُمثل الوطن وتعكس هويته وتحمل صوته وصورته إلى الخارج، لذلك يجب أن تتلاءم مع حجم وضخامة الوطن وإنجازاته وأن يُنظَر إليها كقوة ناعمة موجَّهة نحو العالم أجمع تُخبرهم بحضارة السعودية العظمى وجمال إنسانها الأصيل.

نجد أن الكثير من الدول الأخرى أدركت مُبكرًا الدور الكبير للدراما والإنتاج التلفزيوني في صناعة الوعي العام فدخلت مضمار المنافسة الإعلامية منذ زمن طويل وبقوة احترافية هائلة فأبدعت في إظهار مجتمعاتهم بصورة مثالية جدًا واستغلت القوة الإعلامية والإنتاجية لديها في تلميع صورتها التي رسخت فعلًا في أذهان الأجيال الحالية والقادمة رغم أن واقعها مختلف تمامًا، في حين تتنافس معظم الدراما لدينا في الإساءة بصورة نمطية متكررة للرجل السعودي والمرأة السعودية والمجتمع السعودي ككل وإظهارهم في صورة من الاستخفاف والاستهتار رغم ما يحمله المواطن والمواطنة من مسؤولية وقوة ومبادئ وأخلاق مُتفرِّدة عن الآخرين وما تعكسه الأسرة السعودية من ثبات وقيم وأخلاق وانتماء للوطن لا تجد له مثيلًا في البلدان الأخرى.

فهل الخلل يكمن في ندرة كُتَّاب النص وانعدام الأقلام المحترفة أم في قلة الخبرة الإنتاجية والإخراجية أم هو عدم تقدير للدور الرئيس للدراما وما تحمله من هوية ورسالة ثقافية مجتمعية عالمية، فأصبحت البرامج والمسلسلات تتسابق فقط لسَد الفراغ الإنتاجي وتحقيق الحضور الإعلامي الرمضاني!

ما زال ينقصنا الذكاء الإعلامي في استخدام القوة الناعمة لجذب أنظار العالم نحو السعودية، مع العلم بأنَّ المملكة العربية السعودية تُعد بيئة خصبة لإنتاج وإخراج أعمال ضخمة فهي قلب العالم العربي والإسلامي ودولة زاخرة بكل مقومات نجاح الجانب الإنتاجي الإعلامي؛ فهي غنية بالأماكن والآثار المذهلة وتحتضن الكثير من القصص والأحداث التاريخية العريقة وتزخر بأجواء ومناطق خلاّبة وتشهد نهضة وتطورات وتغيرات مذهلة وسريعة.

ومازال الأمل ينتظر أن يتفجَّر بالإبداع ويوقِظ الدراما السعودية من سباتها العميق، لنحظى برؤية أعمال سينمائية وتلفزيونية سعودية ضخمة تُحاكي طموح وطن عظيم لا تكفيه أرجاء السماء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store