Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

من هيمنة العولمة إلى الحمائية والانعزال...!

A A
التشظي ساري المفعول في السياسة الأمريكية لن يقتصر على الداخل الأمريكي فقط لأسباب هيكلية عملت أمريكا على تثبيتها خلال القرن الماضي بداية بالعودة لتكوين منظومة الأمم المتحدة بما في ذلك المؤسسات المالية مثل صندوق النقد والبنك الدولي وبرتن وودز حجر الزاوية للعملات وغطاء عملة الدول بالذهب وغيرها من التدابير الإجرائية والهيكلية المطلوب اتباعها في كل دول العالم.. أمور وترتيبات كثيرة وكبيرة حصلت من عام 1944م وما بعد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة صناعة القرار الدولي ماليًا وسياسيًا بصفتها المستفيد الأكبر من نتائج الحرب العالمية الثانية.

في النصف الثاني من القرن العشرين بدأت هيمنة العولمة بقيادة أمريكا بداية بسبر أسرار الفضاء والبث المباشر من خلال الأقمار الصناعية وانبثاق عصر الثورة الرقمية التي غيرت العالم ومرة أخرى كانت أمريكا وشركاؤها في العالم الغربي -الرأس مالي- في المقدمة والمستفيد الأكبر ولم تقتصر طموحاتها على محيطها الجغرافي الحيوي بل كان التخطيط والنظرة والتصور كونية لتوسيع النفوذ ومنفعة العالم.

والولايات المتحدة الأمريكية جغرافيًا تمثل قارة تقع بين محيطي الأطلسي والهادي وبها ثروات طبيعية تشكل تكامل شامل -شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا- ولذلك تبرز نعرة التعالي بين حين وآخر نزعة الحمائية والانغلاق بحكم حجم الموارد الطبيعية والثراء الذي تتمتع به ولكن النظام العالمي الذي شاركت في بنائه يعتمد على التواصل المستمر بين الشعوب والحضارات ومبدأ تبادل المصالح الذي أسست الإمبراطورية الأمريكية عليه مجدها وتفوقها في شتى المجالات.

انبثاق العولمة وانفكاك الصين من عزلتها أطلق المارد من عقاله وبدأت تيارات التطور والانفتاح تؤتي أُكلها لكل الدول كل على قدر طاقته وإمكاناته وجهوده.. رأس المال الأمريكي لم يفوت فرصة الانفتاح والعولمة بدأ بجرأة خلاقة في الاستثمار بمشروعات مشتركة في الصين وآسيا وأمريكا اللاتينية وانفتحت شهية الشعب الصيني للسياحة والاستفادة من المنتجات التي سرعان ما قلدها المستثمرون حتى اكتسحت أسواق العالم وأصبحت منافسًا قويًا للمنتجات الغربية بشتى أنواعها وجودتها مع فارق كبير في الأسعار بسبب قلة تكلفة العمالة وكمية الإنتاج وحجم الاستهلاك وتغير نمط حياة المجتمعات حتى أصبحت الصين تنافس على المكان الأول بالناتج المحلي الذي احتكرته أمريكا واليابان وأوروبا الغربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

العولمة بكل ما لها وما عليها أصبحت واقع فرضته تقنية المعلومات والسياحة والنقل السريع بكل وسائله وآلياته.

الأمراض والأوبئة وآثارها أيضًا لم تعد محصورة في منطقة أو دولة معينة بل أصبح انتشارها وآثارها تعم العالم بدون استثناء.. والحوار الدائر حول جائحة كورونا وما خلفته من مصابين ووفيات وانتشار المعلومات وبعض التباين في وجهات النظر حول العلاج والحد من احتكار تصنيعه وتوزيعه وتفضيل الدول المصنعة والغنية يعد مظهرًا من مظاهر العولمة والحمائية في آن واحد.

إن قدرة أمريكا الاقتصادية وطباعة الدولار بالكميات التي تحتاجها بدون شفافية معلنة عن ضمان الاحتياط والغطاء النقدي أسوة بالعملات الأخرى قد يجر للانكشاف والتصدع داخل المجتمع الأمريكي ويُسبب قلقًا عالميًا ويطرح السؤال الكبير هل الإمبراطورية الأمريكية على وشك الانهيار كما حصل في الاتحاد السوفييتي؟ أم أن النظام الديموقراطي كفيل بتصحيح نفسه وتلافي الانهيار الخطير ليس لأمريكا بمفردها -حتى لو تحصنت بحماية داخلية- ولكنه سيكون كارثة عالمية بامتياز.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store