Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

«أعطوه».. لا «تعطوه»!!

A A
حضرت يومًا صلاة في مسجد وهبّ بعد الصلاة شخص يحمل طفلًا مشلولًا بين يديه، وهو يعرضه كبضاعة يستجدي بها الزبائن ويستدر عطفهم بشيء من النحيب والبكاء والأيمان المغلظة إنه فقير ومحتاج ويبحث عن مال يعالج به الطفل، وقبل أن ينتهي من حديثه قام رجل من أهل المسجد ليقول «هذا كذاب لا تعطوه، من زمان هذه هي مهنته ويتنقل من مسجد إلى مسجد» ونهره فحسيت أنه رجل لا مكان للعاطفة في قلبه، وفِي نفس الوقت شعرت أنه شخص يحكم عقله لا عاطفته في الوقت الذي تضايق فيه الكثير من المصلين من طريقته وبدأ واحد منهم يدافع عن المتسول ويقول «أنت ايش يدريك يمكن محتاج» ووجه كلامه للمتسول «روح اجلس عند الباب الله يرزقك»، ووجه كلمة للمصلين «الذي عنده شيء يعطيه» وانقسم الناس بين أعطوه.. ولا تعطوه.. وأكيد الآن القراء الكرام انقسموا إلى قراء أعطوه وآخرون لا تعطوه، وإن سألتم عني فأنا من فئة لا تعطوه لماذا؟ هذا ما سأحدثكم عنه في هذا المقال:

إن امتهان التسول كمهنة تدر مبالغ كبيرة ولو أمكن لإنسان أن تكون له تجربة في التجارة يمكن أن ينشئ مؤسسة تصل إيراداتها إلى ملايين الريالات خاصة أن له مواسم كشهر رمضان أو أوقات إخراج الزكاة وبالتالي فإن عملًا كهذا (أقصد التسول) ظاهرة استغلالية سيئة لها جوانبها السلبية على المجتمع حتى وإن لَم تكن في صورة مبالغة كما ذكرتها هنا قد تكون طريقًا لتكوين أفراد اتكاليين في المجتمع ومن تجربة شخص لم تكن لديه وظيفة قام وناشد الناس بأن يساعدوه وقد كان صادقًا ومحتاجًا وتبرع له أهل المسجد ووجد نفسه أنه جمع مالًا جيدًا فأخذ يكررها في مساجد كثيرة متنقلًا بين عطايا المحسنين وسقط في هاوية الاحتراف التسولي وهو إلى الآن لم يستطع أن يخرج منها وهو يعرف أنني أعرفه وكدت في مسجد من المساجد أن أفضحه وأقول «لا تعطوه» لكن تأكد لي أن هناك من المصلين من سيقوم ويزجرني ويقول أعطوه ويضج المسجد بين أعطوه.. ولا تعطوه.

وهكذا فإن هذه الظاهرة السلبية يجب أن تحارب وأن يسد بابها لنفتح عوضًا عنها أبوابًا نظامية خيرية يلجأ اليها بعد الله كل من تحتاج أحوالهم إلى مساعدة، واليوم بفضل الله هناك منصات خيرية رائدة مثل منصة «إحسان» وهناك نشاط من خلال مراكز وأقسام وجمعيات خيرية تقودها مؤسسات مجتمعية تصب في خدمة مساعدة المحتاجين وكم حققت فكرة «فرجت» من مساعدات إنسانية.

إن التسول وعدم محاربته خاصة في المساجد وعند الإشارات يعد عائقًا، لأن تقوم المؤسسات المجتمعية الخيرية بمهامها بسبب فئة من المجتمع خاصة المصلين تجنح بهم عاطفتهم في لحظة تغيب عقولهم وينادون بأعلى صوتهم إن هم رأوا متسولًا يتبكبك قائلين: «أعطوه».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store