Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

في ساحة الفرح أو الكآبة.. من يمنحك قرار التوقف عن الكتابة؟!

A A
رفضت بشدة استجابة لنداءات الكثيرين من إخوتي وأصدقائي أن أظل ساكناً في عمارة الحزن التي شيَّدها أحباب رحلوا، ومنحوني مفاتيحها! غير أنني اكتشفت أنه هو الذي يسكنني ويستولي على مفاتيح قلبي!.

شيئاً فشيئاً تمنعت الحروف وربما الإحساس عن الكتابة في الجمال!، وأصبحت كلما كتبت حرفاً أو كلمة في معاني الإحساس بالفرح أو الجمال، أشعر بثمة أنين داخلي يمنعني!

أنا الذي هدَّني أو كاد، هذا الكم الهائل من السهاد والقلق! أصبحت أسهر في اللا جدوى حتى أعياني الأرق!، عجزت عن الكتابة أو حتى البوح سراً، بما في داخلي ولو على الورق!، هنا في هذا الجانب من القلب هموم تختنق.. وهنا في الجانب الآخر، حكايات وروايات حبيسة تريد أن تنطلق.. ضاع مني الإحساس بالجَمال والألق!

وكنت فيما قبل أفرُّ من محاجر الكآبة، وألوذ بالصبر والتأمل، فتواتيني الإجابة: واصل الكتابة! فأكتب وكأنني أعزف على الناي، أو أنشد على الربابة!

في الفترة الأخيرة، بت كلما هربت يناديني الحزن: أين المفر؟! أدخل، فيناديني الأمل: هل ضاع منك النظر؟!، كم أضعت الوقت والجهد دون أن تدري أن كل شيء مخصوم من العمر.. اكتب بصدق ما تشعر به.. إنما الدنيا قضاء وقدر!.

أذوب في محزنة الحروف، كلما جاء خبر، تطاوعني الكلمات عند كل رحيل أو بكاء.. أنا الذي كنت أقدم في حديث الأربعاء عزفاً جميلاً، ولحناً شجياً.. أنا الذي كنت أجهز كل مرة أرائك حب، وساحات عشق، لكل الطيور من كل فج، لكل الصدور التي تمتلئ بالشوق لنبض الزهور!

وكنت إذا بدأت بنهر النيل، يستحلفني ويشجعني ويناديني، فإذا ذهبت للأغصان تتيه في وسن وتدعوني.. وكنت اذا كتبت عن قريتي تتراقص أمامي الأنغام، وتسطع في سطوري ذكرياتي وأيامي!.

آه! يا شريف! يبدو أنني من أرهقت الحرف، ولم يرهقني هو! أدخل به مرة هنا فيعذرني، وأدرف به هناك، فيعاتبني ثم يسامحني.. أتعهد له بالانتباه!

أتأرجح بين الساحتين فيحزن القلم!، ينغرس في قلبي وشراييني ويسائلني: ماذا عني؟!، أتلألأ، أتلعثم.. يحفزني ويشير لي: واصل.. امضِ ولا تجزع أو تتألم!

دعَونا الجَمال فلم يستجب! فعدنا بأفئدة تنتحب! ينم عن الوجد فينا شحوب.. ودمع يحار ولا ينسكب! وفي لحظنا نزعة للمغيب، وفي شدونا لوعة المكتئب.. كأنا نضيء وراء الغمام، ونبعث بالبرق بين السحب.. ترانا فتحسبنا هامدين، كما قر بعد الوثوب الحبب!.

وجدتني أقول مع الشاعر الجميل حسين عفيف: وما نحن إلا زهور تجف، وتحفظ من عطرها ما ذهب! اذا الليل حرك فينا الحنين، تفجر في دمعنا ما نضب!

والحق أنني قررت التوقف عن الكتابة وأنا تنتابني هذه الحالة! فلا أغنية جميلة، كما يقول تاجور، لا يشيع منها الأسى الذي ينبع في نفوسنا من عين مجهولة! ولا زهرة لا يقطر منها الندى، ولا سرور لا يعبر عن نفسه بدمعة يذرفها في صمت!

عدت لتاجور مقرراً: اليوم ينتهي تغريدي، فاذكروني، اذا رجعتم غدا أغاريدي! حان وقت الوداع فسلام فلا تترقبوني في مواعيدي.. أنا ذاهب وشيكا مع الرياح، فلا أنفاس ستحيا في أناشيدي!

من لطف الله بي، جاءت أحداث الأقصى، فوجدتني أندمج من جديد مردداً للقدس ما قاله عفيف في حبيبته: وما شغلي غيرك؟ سأذكرك كلما غرد طائر فأبلغني منك رسالة! وسأقطف الأزهار في الصباح، وأضعها في الجدول ليحملها إليك.. وأضمخ بالعطر النسيم الساري ليملأ به جوَّك! أرقبيني في كل شيء، وانظريني في كل مقالة، وإذا ما رأيت كوكباً يتهاوى، فاعلمي أني خررت صريع هواك.. ولا تترقبيني بعدها!

وجدتني أقول للكتابة: حين أقول: سأهجرك مؤقتاً أو أبداً، فخذي قولي على أنه الحق، ليغشاك هنيهة ضباب، يهيم على الأهداب السوداء ناظريك.. ثم ابتسمي.. ابتسمي يا حروفي في مكر، ما بدا لك.. حين أعود من جديد!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store