Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

القهوة وما أدراك ما القهوة!

A A
الأيام هل تشبه القهوة؟ أي أن بعضها،"مضبوط"، وقليلها، "زيادة"، ومعظمها،"سادة"، وربما منها ما يمكن وصفه، "ع الريحة"، كما يقول محمد عبد الواحد، في كتابه، "حرائق الكلام في مقاهي القاهرة"؟

الأيام والقهوة هل يتشابهان بهذا القدر رغم عبارة، "يوم حلو ويوم مر"، التي رسخت في وجداننا، فلم نعد نعطي الأيام تلك النكهات التي تقدمها لنا القهوة؟!

أوردت هذا التصنيف للأيام في بداية مقالتي التي موضوعها القهوة، ربما، لأني أجده مناسباً للحالة، "الكورونية"، التي نعيشها منذ أكثر من عام، تحول طعم الأيام إلى مذاق القهوة المرّة، وهو مذاق أقسى من مذاق القهوة السادة التي وردت في التصنيف السابق لعبد الواحد، لأن القهوة السادة يمكن تناولها بل والاستمتاع بمذاقها، فإضافة السكر تفسد مذاقها لدى كثيرين ممن يبدأون بها يومهم وربما على مدار يومهم لتظل نكهة القهوة ورائحتها توقظ حواسهم.

يرجع اكتشاف البن، "القهوة"، إلى حكاية أسطورية تقول: أنه منذ أكثر من ألف عام لاحظ راعي ماعز أثيوبي أن إحدى أغنامه تتراقص وتُمأمئ بصورة هستيرية، وأن الأمر يتكرر كلما تناولت العنزة ثمرة معينة؛ فقام الراعي بتجريب هذه الثمرة الغريبة فإذا بنشاط مفاجئ كلما تناولها، وبصرف النظر عن صدق الأسطورة الأثيوبية فإن أول من تناول القهوة هي قبائل " الأورومون"، التي عاشت في مملكة "كيفا" بشرق أثيوبيا، ويرى البعض أن كلمة كوفي "Coffee"، مشتقة من اسم تلك المملكة، لكن "الأورومون" لم يشربوا القهوة بل كانوا يسحقونها ويخلطونها بالدهن ويتناولونها على هيئة أقراص.

أسطورة القهوة وضعت لها قدماً في اليمن في مدينة "مخا"، وظل اسم هذه المدينة مرادفاً للقهوة لمدة ألف عام، ومنه جاءت"موكا"، اسم أحد أصناف القهوة الشهيرة.

لكن العرب أول من صنع من القهوة مشروباً، واستطاع العرب حسب اختلاف ثقافاتهم التفنن في صناعة مشروبهم المفضل القهوة، ففي الجزيرة العربية القهوة العربية المميزة بالهيل، وبعضهم يضيف إليها بعض المُنكّهات، كالزعفران والقرنفل، بعضها خفيف وله مذاق مدهش، وبعضها ثقيل وغامق إلا أن مذاقه رائع، أما في مصر فعرفت وجه "القهوة" أي القهوة بالوجه التي نطلق عليها قهوة تركي، مع أنها عرفت في مصر أولاً، ومن مصر عرفنا أنواع القهوة التي أوردتها في المقدمة، أي "زيادة، سادة، ع الريحة".

في لبنان قهوتهم مغلية بدون وجه، وفي بلاد الشام والأردن غامقة وشديدة المرارة، لكن على اختلافها أفضل ما يقدم للضيف.

مع كل ما سبق مرّت القهوة بفترة حرجة حُرٍّمت خلالها في البلاد الإسلامية، وترجع وقائع تحريم القهوة إلى مخطوطة يرجع تاريخها إلى عام 1558م، للمؤرخ "عبد القادر محمد الجزيري" بعنوان: "عمدة الصفوة في حل القهوة"، جاء فيها، أنه في يوم الجمعة 20 يونيو 1511م، مرّ باشا المماليك في مكة، محتسب المدينة، بعد صلاة العشاء في المسجد النبوي على تجمع من الرجال، وفي يدهم مصابيح، وعندما اقترب منهم أطفأوها، فشك في طبيعة ما كانوا يفعلون، وعندما تحرى عن الأمر وجدهم " يتبلعون" مشروباً بنفس الطريقة التي " تتبلع" بها الخمر، فقام بفض مجلسهم، وفي اليوم الثاني عقد اجتماعاً مع علماء مكة لبحث مسألة القهوة، يقول "الجزيري" إن العلماء فضلوا التعامل مع مشروعية قضية التجمع ولم يتناولوا مشروعية القهوة في حد ذاتها، وتركوا للأطباء هذا الأمر.

أتى المحتسب، باشا المماليك، بطبيبين شهدا -تحت تهديد المحتسب- بأن القهوة ضارة بالعقل والبدن، فأخذ القضاة برأي الأطباء وأصدروا حكمهم بتحريم القهوة.

استمر حظر القهوة في مكة لمدة عام ثم تكرر مرة أخرى في عام 1525م، وفي القاهرة أيضاً حُرّمت القهوة عام 1532م، وفي عام 1639م، انطلقت الحملة المعادية للقهوة من الأزهر الشريف، باعتبار القهوة تورد في المعاجم مرادفاً للخمر!

"استندت إلى كتاب محمد عبد الواحد" حرائق الكلام..." في المعلومات الواردة في هذه المقالة حول القهوة"

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store