Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

عندما ينافح رئيس مجمع اللغة عن العامية!!

A A
أورثني أبي حب اللغة العربية والتمسك بها والحفاظ عليها بل والذود عنها اذا لزم الأمر! وكان أبي يتسامح في كل شيء إلا امتهان اللغة، فكسر الحرف المنصوب أمامه لا يوازيه كسر آخر، ولو كان صحناً من تلك الصحون الفاخرة التي اشتراها قديماً من غزة!

ولأنه كان عنيفاً جداً في هذا الأمر، فقد نفذت بجلدي الى صديقه الأثير وتلميذه الأول أحمد هلال، وكلاهما كان حارساً للغة، فزادني حباً لها!

ثم كان ما كان وتتلمذت «لغوياً وفكرياً» على يد صهري الأكبر الشاعر محمد عفيفي مطر، الذي فسر لي خطورة الاتجاه الذي كان سائداً في القديم تحت شعار «مصر للمصريين»!

وكنت أستمتع طفلاً، كلما دخل مطر، وصديقه الدكتور غالي شكري في مسامرة أو مشاجرة، حول سلامة موسى، حيث يصر شكري على اعتباره «محرر الطبقات المطحونة من عبودية الوهم والخرافة»!

فلما دخلت آداب عين شمس كان الدكتور الشكعة يستعير وصف العقاد في سلامة موسى وكيف أنه بعد أن قرأ كتابه «البلاغة العصرية واللغة العربية» شعر أنه «غير عربي»! ثم قال: «إن العلماء يحسبونه على الأدباء والأدباء يحسبونه على العلماء، لهذا فهو المنبت الذي لا علماً قطع ولا أدباً أبقى»!

لقد ارتحت فكرياً، وبات لدي الكثير من مسببات لفظي لفكر سلامة موسى بعد أن قرأت كتابه «مقدمة السوبر مان سنة 1910» والذي ينادي فيه علنا بضرورة الانتماء الكامل للغرب وقطع أي صلة تربط مصر بالشرق، داعياً إلى أن يتزوج المصريون من غربيات لتحسين نسلهم!

والحق أنني مع ذلك، ظللت أتعامل بحذر مع كل نقد يوجه الى «أستاذ الجيل» أحمد لطفي السيد، حتى بعد أن قرأت لمصطفى صادق الرافعي، وأنور الجندي، الذي كان واضحاً وهو يعلن أن لطفي السيد قد تنكر لمبادئ مدرسة محمد عبده، وانحرف عنها إلى تأييد المستعمر الإنجليزي والسير في ركابه.

لقد شعرت أن الجندي، كان قاسياً أو متطرفاً وهو يقول «قد بدأ ظاهر الأمر أن لطفي السيد من تلاميذ جمال الدين ومحمد عبده، ولكن الأمور ما لبثت أن كشفت عن تحول واضح في خطته نحو منهج التغريب الذي قاده كرومر والذي وضع للصحافة والثقافة والتعليم منهجاً جديداً مفرغاً من الإسلام»!

وكنت قد تعرفت في مستهل مشواري الصحفي على الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، فشاركتها حبها للجمال وللعقاد ولكوكب الشرق، ثم حربها الضروس من أجل آثار مصر وأرضها ونهرها العظيم.

ومنذ أيام وقعت في يدي أطروحة مطولة للدكتورة نعمات أحمد فؤاد، بعنوان «أحمد لطفي السيد.. واللغة» ولأنني أحب منهجها التأملي، فضلا عن لغتها الجزلة وفكرها الصافي فقد وضعتها بيني وبين «أستاذ الجيل» صاحب مقولة أن «الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»علني أصحح أي انحراف أصاب نظرتي له!

كانت الدكتورة نعمات تقرر في بداية أطروحتها أن الرجل «يميل الى تطعيم أسلوبه بالكلمات العامية الصحيحة، والألفاظ العصرية الحية، وهما اتجاهان يرجعان الى ايمانه بالتطور».. قلت طالما أنه محض تطعيم، وايمان بالتطور، فلا بأس! لكنني ومع كل فقرة أو صفحة في المقال بدأت أشعر بقسوة الصفعات التي يوجهها رئيس مجمع اللغة العربية الى اللغة العربية!

كان لطفي السيد يقول: ان ملاك الكتابة «ذوق» أما الألفاظ فلا دخل لها في الموضوع! والذوق إنما يعني الطبع.. الروح.. أسلوب التناول.. الطريقة التي تجعل كاتبا خفيف الظل والآخر ثقيله.. المسألة ليست فصاحة، فإن من أساليب العامية، ما هو أعلى مقاماً من هذه اللغة الكتابية التي نسطرها كل يوم!.

ويمضي رئيس مجمع اللغة العربية يقول: إن اللغة العامية، ليست لغة العلم ولا لغة الشعر والكتابة، وهي مع ذلك اللغة الحية في النفوس!

شيئا فشيئا ومع مناداته بالعامية وتنحية الفصحى، فسر لي من جديد حكاية «مصر للمصريين» قائلا: مصر التي عرفتها الدنيا متبوعة لا تابعة، مصر هذه يريدها قوم أن تأخذ بكل كلمة من لغة العرب.. إن للجمل وللأسد والسيف في العربية، أسماء تعد بالمئات والعشرات، لا حاجة بنا نحن المصريين، إلا بما يقضي به البيان العصري!!

هكذا مضى رئيس مجمع اللغة العربية منافحا عن العامية المصرية، ومضت تلميذته تنافح عنه، قبل أن تروي لنا كيف ذهبت اليه ذات يوم، وراحت تقرأ له من كتابه «المنتخبات» قبل أن يدخل عليهما بهي الدين بركات باشا ومصطفى الصادق باشا، حيث سأل الأستاذ: ما رأيكم في كلمة «سيارة» مثلا؟! أنا شخصياً لم أقل سيارة قط.. بل أقول «العربية».. إن اللغة القوية لا تستعمل اللفظ المشترك.. إن من حقنا التعديل في اللغة حتى تتواءم مع هذا العصر الطائر!

كنت أحاول أن أبرر مع الدكتورة نعمات ما يقصده عميد مجمع اللغة في عباراته المصادمة للغة الضاد، قبل أن أجدها تنقل عنه: إن إصلاح الكتابة العربية، مرهون بتسكين الحروف.. كل الحروف يجب أن تكون ساكنة ولا تتحرك إلا بحروف العلة!، والحق أنني وجدت في أطروحة الدكتورة نعمات فؤاد عن أحمد لطفي السيد واللغة، ألف علة وعلة، تجعلني أكثر أيمانا بما ورثته عن أبي وعن أساتذتي، وعن لفظي الداخلي والخارجي أيضا لكل ما يضيع أو يميع لغة القرآن الكريم، ويرفع شعار «مصر للمصريين» دون أن يعرف حقيقته والهدف منه!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store