Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريــف قنديل

حكاية طلاب أفغانستان من الألف للياء!

اضاءة

A A
حين كنت أعود محملاً بخيبة الأمل من كابول، في أوائل التسعينيات، ناعيًا ومسجلاً وراصدًا كميات الرصاص والدموع والصياح يوم فتح كابول، ظهرت في يوليو 1994 النواة الأولى لحركة «طالبان» بعد أن اجتمع 53 طالبًا من طلاب المدارس الدينية في منطقة «سنج سار» بقندهار ثم انتقلوا إلى منطقة «كشك نخود» وباشروا نزع السلاح من مجموعات «المجاهدين» وإزالة نقاط التفتيش الموضوعة على الطرق العامة قبل أن يستولوا على المديريات والولايات بدءًا من مديرية أرغستان، وصولاً إلى العاصمة!

فكريًا ولمن لا يعرف فإن تسمية «طالبان» تعود للطلاب أو الطلبة، حيث يتدرج الطالب من مرحلة إلى أخرى، بدءًا بالمرحلة الابتدائية ثم المتوسطة فالعليا والتكميلية، قبل أن يقضي الطالب عامًا يتخصص فيه في دراسة علوم الحديث وتسمى «دورة الحديث». وأثناء دراسة الطالب تتغير مرتبته العلمية من مرحلة إلى أخرى، فيطلق عليه لفظ «طالب» الذي يجمع في لغة البشتو على «طالبان»، ثم «ملا» وهو الذي قطع شوطًا في المنهج ولم يتخرج بعد، وأخيرًا «مولوي» وهو الذي أكمل المنهج وتخرج من دورة الحديث ووضعت على رأسه العمامة وحصل على إجازة في التدريس.

على أن قطار «طالبان» في الحقيقة مر بمحطات عديدة قبل وبعد فتح كابول والوصول للحكم في المرة الأولى، منها ما حدث عند نجاحهم في إنقاذ قافلة الإغاثة التي أرسلتها الحكومة الباكستانية إلى أفغانستان، واعترضتها مجموعة جيلاني بقيادة منصور آغا واستطاعت الحركة إنقاذ القافلة وإعدام قائد جماعة جيلاني مع بعض رفاقه.

ومن أبرز المحطات كذلك، إسقاطها مدينة غزني أحد معاقل حكمتيار، وتجريد قوات حزبه من أسلحتهم، والاستيلاء على حصنه الشهير «ميدان شهر» بولاية وردك، ومقره الأساسي في «تشاراسياب» إلى منطقة سروبي.

هذا عن محطة حكمتيار، التي اجتازتها طالبان بسهولة، قبل أن تنتقل لمحطة حزب الوحدة الشيعي، وأسر قائد الحزب عبدالعلي مزاري، قبل أن تسترد قوات أحمد شاه مسعود جميع مواقع حزب الوحدة من الحركة. ثم كان ما كان واستطاعت «طالبان» استرداد ولاية فراه وهلمند ونيمروز من قوات إسماعيل خان والاستيلاء على قاعدة «شين دند» الجوية التي تعتبر من أكبر القواعد الجوية في أفغانستان.

ثم كانت المحطة الفارقة عام 1995 عندما تقدمت قوات «طالبان» نحو كابل محكمة حصارها، حيث أعلن علماء من مختلف أنحاء أفغانستان مبايعة الملا محمد عمر أميرًا ولقبوه بأمير المؤمنين، توالى بعدها سقوط الولايات حتى يوم 27 /9 /1996 حيث سقطت العاصمة كابل في يد طالبان.

ومرة أخرى تخرج طالبان بعد انتفاضة شعبية وتحالفات لجنرالات الحرب من خصومها، لتبدأ في حرب اشتنزاف جديدة ، كان من أبرز محطاتها كذلك، ما حدث عام 1997 حين استردت مناطق شمال كابل مرة أخرى من قوات دوستم ومسعود ووصلت إلى سالانغ بعد الاستيلاء على مطار بغرام، ثم بسط نفوذها على بعض مدن الشمال مثل باميان وطالقان وبادغيس.

غفونا قليلاً، واستيقظنا على قرار الرئيس الأمريكي بايدن، وتوالى سقوط الولايات في يد طالبان، قبل أن نسمع أحد الطلاب يقرأ كم داخل القصر الرئاسي «إذا جاء نصر الله والفتح»!

يؤذن طالب من طلاب «طالبان» الفجر من داخل قصر الحكم، وتبرر واشنطن خطوة الانسحاب، وتتردد أوروبا في اتخاذ قرار، وتؤكد الصين استعدادها للتعاون، وتؤكد روسيا أن الحركة بدأت تستعيد النظام، ثم يجتمع مجلس الأمن، فيعبِّر عن القلق، ويناشد ويطلب ويوصي بحقوق الإنسان، واحترام المنظمات الإنسانية، واستقبال الفارين، والإبقاء على اللاجئين، ويستمر الفيلم الواقعي الطويل، وتستمر التصريحات والتفسيرات والتأويلات التي لن تغيِّر من نتيجة الفيلم، وهي وصول «طالبان» مرة أخرى للحكم!.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store