Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

الوطنية الباسقة

A A
كُنْتُ أظنّ أن السؤال «من أيّ قبيلة إنتْ؟» قد انقرض لدينا منذ أزمان بعيدة كما انقرض الديناصور في العصور الحجرية السحيقة، لكن يبدو أنّه ما زال حيّاً يُرزق، وتتداوله بعض ألسنة المواطنين وكأنّه سؤال عادي في معناه ومغزاه، وكأنّه لا ينبغي طرحه بأيّ حالٍ من الأحوال، بعد أن احتمت القبيلة الصغيرة بالوطن الكبير، وبعد أن انضمّت للمسيرة المُباركة تحت لواء الوطن الميمون، وبعد أن تجرّدت من لباس المناطقية الذي هو شرّ لباس، فلا يقي من برد شتاء ولا من حرّ صيف!.

يخبرني صاحبي أنّه ذهب للسياحة في إحدى مدننا السياحية الجبلية، فسأله هذا السؤال السخيف مواطنٌ آخرٌ من أهل تلك المدينة، ولله درّ صاحبي حين أجابه سريعاً ولا فُضّ فُوه بأنّ قبيلته هي هذا الكيان العظيم الذي اسمه «المملكة العربية السعودية»!.

وثقافة الانتساب للقبيلة أولاً دون الوطن هي في نظري ثقافة عقيمة، لا ينفع معها دواء للإخصاب الحميد، وإن ولدت فلا تلد إلّا مولوداً مسخاً سيكون عالة على الوطن، وأنا أحترم القبيلة وأقدّرها وأرفع شماغي تحيةً لها، لكنّها قطرة صغيرة من بحر الوطن الكبير، وذرّة رمل من قفاريه العظيمة، ولا يجوز أن تتجاوز حجمها هذا، وهي تُعطّل كثيراً من أوجه التنمية خصوصاً إذا تواصى أهل القبيلة الواحدة ببعضهم البعض في جهات العمل دون بقيّة المواطنين، وإذا تآزر الأخ مع أخيه ضدّ ابن عمّه، وكلّ جهة تنتهج هذه الثقافة هي جهة فاشلة في مخرجاتها ومنتجاتها في الماضي والحاضر والمستقبل!.

دعونا ننبذ هذه الثقافة للأبد، ونئدها وهي حيّة، ففي هذا أجر كبير كما في وأد البنات في الجاهلية من وِزْر كبير، ودعونا نهيل عليها التراب، ونكتب على قبرها: «هنا ترقد القبلية غير مأسوف عليها»، ودعونا نُجدّد العهد لهذا الوطن الكبير في كلّ شيء، المقدّس عند كلّ المسلمين، الذي تهوي إليه أفئدة النّاس من كلّ فجّ عميق، قبلة المسلمين، وهذا لعمركم هو الانتساب الأشرف، والانتماء الأعظم، والوطنية الباسقة، وارفع رأسك فأنت سعودي، وكفى بالسعودية قبيلة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store