Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تأهيل جناحي «العدالة» .. كيف يتحقق؟

تأهيل جناحي «العدالة» .. كيف يتحقق؟

مختصون يضعون «روشتة» للارتقاء بخريجي التعليم الحقوقي

A A
التعليم الحقوقي في المملكة تتقاسمه جهتان: هما كليات وأقسام الشريعة، حيث يدرس الطلاب العلوم الشرعية من تفسير وحديث وتوحيد وفرائض وأصول فقه وأحوال شخصية والقرآن الكريم واللغة العربية وغيرها، ويقومون بالعمل كقضاة، ثم كليات وأقسام الأنظمة والقانون، حيث يدرس الطلاب، الحقوق والالتزامات وأحكامهما وقوانين التجارة والشركات والأوراق التجارية والإفلاس والملكية والقوانين الدولية والقانون الجنائي والقانون الإداري وقانون العمل ويعملون في المحاماة وفي هيئة التحقيق والادعاء العام وكمستشارين قانونيين في الوزارات والمؤسسات الحكومية، وخريجو الجهتين يمثلون “جناحي العدالة “من قضاء المنصة والقضاء الواقف ”المحامون“.. والتساؤل الآن:

الرجعان: المحقق ابن مجتمعه وبيئته

يقول الدكتور تركي بن عبدالله الرجعان ـ أستاذ مساعد، كلية الحقوق: مما لا شك أن البيئة القانونية بين التعليم والواقع العملي مرت بمراحل تطورت فيها كثيرا وأسهمت في تحسين وتعزيز مخرجات التعليم القانوني للمحقق، بالإضافة إلى أن هناك جوانب تم تغطيتها وفق التطور المنشود وهناك جوانب ما زالت تتطور، ولكن ليس كما هو المأمول لأن بعض النقاط تمر عبر تطوير الأفكار الاجتماعية والتي تشكل تأثيرا في سلوك المحقق أثناء ممارسته عمله القانوني لكن عند انتقال المحقق للعمل في بيئة العمل كمحقق بالنيابة العامة، يعتمد مسطره النظام والقانون.

ويشير الرجعان إلى واجب المجتمع فهذا الأمر لا يقتصر على الجامعة والمدرسة فحسب، وإنما التنشئة في البيت والمجتمع الذي دومًا ما يكون دوره أكبر في تكريس مبادئ الوعي الجيد والحديث والحوار عند الاختلاف الذي يسهم في تعزيز الفكر الناضج لدى أفراد المجتمع وبالتأكيد المحقق هو ابن مجتمعه وبيئته.

قاروب: إعادة النظر في التعليم الحقوقي الجامعي

يرى ماجد بن محمد قاروب ـ رئيس مبادرة تكامل للمعونة القضائية ـ ضرورة إعادة النظر في التعليم الحقوقي الجامعي من الأساس لتحسين جودة المخرجات بحيث يتمكن المحقق من المبادئ والأسس القانونية الضرورية واللازمة للعمل الحقوقي في القطاعات القضائية والامنيه أو النيابة العامة، وكذلك بالقطاعين العام والخاص بخلاف العمل المهني في مكاتب المحاماة ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي التأهيل الأولى والتي يجب أن تكون من خلال مسارات محددة المعالم فتدريب وتأهيل القضاة يجب أن يكون من خلال برامج تأهيلية للعمل القضائي لتعليم أصول وفنون العمل والإدارة القضائية، وليس بمزيد من الكتب والمراجع الشرعية والعلمية لأنه سيحكم لاحقًا بما يتفق وصحيح نصوص التشريعات والقوانين بعيدًا عن الاجتهاد الفردي وهذا ما أكد عليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وأفاض في شرحه وزير العدل بوصفه رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ثم بعد ذلك تأتي المرحلة الثالثة في التأهيل النوعي المتخصص الذي يتفق مع القدرات الشخصية للقاضي بالعمل في المحاكم المتخصصة من أحوال شخصية أو تجارية أو عمالية أو جنائية بحيث يتم تعليمة وتدريبة على القوانين ذات العلاقة بتخصصات المحكمة التي سيعمل بها ويتدرج وظيفيًا بها إلى التدرج إلى محاكم الإستئناف، وبنفس التراتبية يجب ان يكون تأهيل منسوبي النيابة العامة، حيث يجب أن يتعلم ويتدرب بعد التعليم الجامعي على أصول وفنون التحقيق ومنها إلى القوانين محل اختصاص الدائرة التي سيعمل ويتدرج بها من دوائر العرض والأخلاق أو دوائر المال أوغيرها من الدوائر بحسب الاختصاص..

المعرفة المتخصصة والتدريب المستمر

ويذكرنا قاروب بأن قوانين التجارة والاستثمار تجاوز في عددها أكثر من 100 وبعضها مثل الشركات مكون من أكثر من 200 مادة وأكثر من 50 صفحة، الأمر الذي يحتم ويوجب التدريب والتأهيل المسبق والدائم لعضو النيابة والقاضي قبل مباشرة الأعمال التي تتطلب العلم والإدراك بالقوانين العدلية من مرفعات أو إجراءات ومحاماة وحقوق الإنسان ومبادئ العدالة الجنائية والاختصاصات القضائية إلى غيرها من أسس ومبادئ التأهيل الضروري واللازم لبدء العمل، إذ لايجوز تمكين محقق النيابة أو قاضي المحكمة من البدء في العمل دون التحقق من علمة وإجادته المعرفية المتخصصة بالقوانين والتشريعات التي سيتعامل معها معززًا ذلك بالتدريب العملي والمهني المؤيد بالسوابق والأحكام القضائية التي يجب أن يسترشد بها لضمان استقرار الفقه والمبادئ القضائية على أسس تشريعية قانونية ملزمة.

المقصودي: التحقيق يقوم على الموهبة والعلم

يقول الدكتور محمد بن أحمد المقصودي ـ أستاذ القانون الجنائي الدولي ومحكم دولي معتمد ـ: لأن النيابة العامة جزء من العمل القضائي فقد عملت الجهات المختصة على توفير البيئة والوسائل المناسبة شكلا ومضمونا وهذا يخضع باستمرار للتطوير ومن ذلك الربط الإلكترونية بين النيابة العامة وباقي الأجهزة المتصلة بذلك لتحقيق العدالة الناجزة وترسيخ الثقة في القضاء، مشيرا إلى صناعة المحقق تقوم على ركني الموهبة والعلم الشرعي والقانوني فالتحقيق عملية شاقة وليست سهلة وتحتاج للصبر والاتزان النفسي وبذل جهود كبيرة للوصول للعدالة المجردة، لذا أطالب بحسن اختيار المحققين الذين تتوافر لديهم الموهبة والتأهيل النفسي من خلال معايير موضوعية ودقيقة تضمن اختيار الأفضل والأكثر كفاءة وجدارة والمملكة بحمد الله زاخرة بالمواهب.

وأشار إلى أن ميزة التوزيع الدقيق للدوائر الجنائية في النيابة مما يساعد على وضع كل محقق في المجال الذي يناسبه سواء في قضايا النفس، المخدرات، الوظيفة العامة، العرض والأخلاق ودوائر الرقابة والتفتيش على السجون يوضع الشخص المناسب في المجال الذي يبدع فيه وهذا هو الحاصل من اهتمام الدولة رعاها الله حيث تمتعت النيابة بصلاحيات أكبر لضمان الاستقلالية وتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مشيرا إلى أن تحقيق العدالة مسؤولية مشتركة بين رجال الأمن في الميدان ومراكز الشرط وجهات الاستدلال، مرورا بجهاز النيابة الذي يمثل الوسط بين أدلة الإدانة وأدلة البراءة ثم تذهب للقضاء فمراحل الاستئناف وكلها ضمانات كاملة لتحقيق العدالة الكاملة.

وأكد الدكتور المقصودي أن ما يشهده التطور التشريعي في المملكة منذ بداية العهد السعودي الزاهر ومنذ نشوء النيابة العامة بمسمى هيئة التحقيق والادعاء العام تم التهيئة له بعمل دراسات في الحقوق والشريعة والقانون لتأهيل الكوادر المميز التي تمثل العدالة للمجتمع والتوازن بين مرحلتي الاستدلال والمحاكمة وتم الاهتمام بهذا الأمر اهتماما كبيرا في كلية الحقوق.

الحقيل: السمات الشخصية للمحقق غير كافية

وتعتبر الدكتورة نجلاء عبدالرحمن الحقيل ـ أستاذ القانون المساعد ـ أن عمل المحقق يعتبر من أكثر الأعمال تعقيدا، كونه إلى الذكاء وسرعة البديهة ودقة الملاحظة وهذه تعد من السمات الشخصية التي يفترض أن يتمتع بها المحقق. لكن هذه السمات ليست كافية. حيث إن مهارات مهنة التحقيق يمكن اكتسابها من خلال الخبرة ومن خلال التعلم.. ولكن من أهم الأمور التي يجب أن يتعلمها المحقق، الأنظمة والقوانين المتعلقة بعمله وبالقضية التي يحقق بها.

وعند الحديث عن الأنظمة، يجب التركيز على الحقوق الدستورية الممنوحة للمواطنين والمقيمين بموجب نظام الحكم والمرتبطة بنظام الإجراءات الجزائية.

وهذه نقطة هامة، إذ إن الخطأ في أمور قانونية دقيقة متعلقة بالتحقيق، قد تعطي المتهم فرصة للتخلص من العقوبة على الرغم من أن جميع الادلة تشير إلى ارتكابه للجرم، وهذا يعطي المجرمين وسيلة للإفلات من العقوبة بسبب عدم مراعاة الأنظمة الدستورية والإجرائية، كذلك، هناك ما يسمى بالتحقيق المعقد، وهذا يتعلق بالجرائم المتشعبة والتي يوجد بها متهمون وضحايا كثر، وغالبا ما ينطبق ذلك على الجريمة المنظمة.

هذا النوع من التحقيقات يحتاج إلى دراسة وتعليم، إذ إن بعض التحقيقات التي تبدو أنها متعلقة بجريمة واحدة، تكون متشعبة وتقود إلى الكشف عن عصابات إجرامية كبيرة، وهذا لا يمكن أن يتم من دون تطوير التعليم القانوني في مجال التحقيق، وتعليم المحقق أساليب التفكير وربط الأحداث وهذه مهارات يمكن تعلمها.

خياط: تطورات كبيرة خلال الخمس سنوات الماضية

يشير ياسين خالد خياط ـ محام ومستشار قانوني ـ إلى تطور مخرجات التعليم الحقوقي في المملكة خلال السنوات الخمس الماضية وأصبحت أكثر نضجًا وصاحب ذلك زيادة كبيرة في التدريب وأمام بوابة التعليم لا يقف الطموح في تأسيس تعليم حقوقي متخصص في جميع مجالات القانون ومع التطور الحقوقي الذي تعيشه المملكة أصبح من المهم تطوير خبرات وقدرات المحققين خدمة للعدالة المجتمعية فصناعة المحقق يتطلب تخصص علمي وتدريب مهني علمي محترف وقد مرت النيابة العامة خلال السنوات الماضية بتجارب كبيرة مكنت المحققين من اكتساب مهارات خاصة في التحقيق يمكنهم من نقل الخبرات المهنية لتكون منهجًا علميا جديدا في تخصص حقوقي جديد يساعد على صناعة خبرات سعودية جديدة.

الجعيد: النيابة بحاجة لأكاديمية جنائية

شدد الدكتور أصيل بن ساير الجعيد ـ أستاذ القانون الجنائي على أن للمحقق السعودي مكانة متميزة وعمله مهم للغاية إلا أن هناك بعض الإشكاليات التي تحتاج لحلول منها أن النيابة العامة بحاجة إلى أكاديمية جنائية خاصة بها لتخريج كوادر مؤهلة من الجنسين كما أن هذه الأكاديمية سوف تقوم بالتدريب لمن هم على رأس العمل في شتى العلوم الجنائية المساندة لأعمال النيابة العامة بل سوف تقوم هذه الأكاديمية بتعليم وتدريب السلك الإداري.. كما يحتاج المحقق السعودي اليوم لحوافز منها نظام داخلي في النيابة العامة يضبط جوانب الترقية وتقييم الأداء، بل حتى التقييم النفسي القبلي والبعدي على رأس العمل للتأكد من لياقته النفسية لمواجهة أعمال النيابة الشاقة.

أمور هامة تحتاج لإعادة النظر

ويرى الجعيد أنه وعلى صعيد آخر يجد بعضهم ممن تراكمت خبراتهم سنين طويلة أنه يتم ترقيتهم لمناطق أخرى بعيدة، مما يجعلهم يرفضون الترقية ويكملون بنفس المرتبة الوظيفية أو يتقدمون للتقاعد المبكر وهذا يحتاج لإعادة نظر كما أن مسألة التعيين في المناصب الإدارية داخل النيابة العامة بحاجة لنظام داخلي مقنن. إنني أحيانا لا ألوم النيابة العامة فنظام الإجراءات الجزائية بحاجة للتطوير بخصوص حق الاستطلاع على ملفات التحقيق كضمانة للمتهمين للاستعداد لمرحلة التقاضي في المحكمة الجزائية وكذلك ما يتعلق بحضور المحامي مع المتهم فبعض مواد النظام مطاطية تترك سلطة كبيرة للمحقق المختص مما لا يحقق الفائدة المرجوة التي أرادها المشرع السعودي لتدعيم ضمانات المتهم بشكل عام ونعلم كيف أننا نهتم للغاية في المملكة بحقوق الإنسان ومايتعلق بها وما جهود ومشروعات هيئة حقوق الإنسان بهذا الشأن إلا خير دليل على ذلك. لا يمكن صناعة محقق جنائي جيد دون تعليم وتدريب جيد وإتاحة الابتعاث، وكذلك التبادل الثقافي الجنائي كوسيلة لتدريب المحققين في الدول الأخرى أو في المنظمات الدولية كالإنتربول، ويشير الجعيد إلى أن تأهيل المحقق يحتاج لاستراتيجية متكاملة تضع نصب أعينها التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في الجريمة وأنواعها ثم خطة تنفيذية تراعي أحدث أساليب تعليم وتدريب المحققين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store