Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

عطش الروح وخلايا الدماغ

A A
هناك رواية خيالية بعيدة عن الحقيقة يقصها البعض عن الروح وملخصها أن هناك روحًا لشخص ما عطشت كثيرًا ونام صاحبها ذات ليلة وهي أحوج ما تكون لرشفة ماء وأثناء النوم قام أحد أفراد العائلة ليشرب من الزير، وما إن شعرت روح ذلك الشخص النائم بأن الزير تم فتحه برفع الغطاء الذي عليه حتى أقبلت روح ذلك النائم ودخلت الزير لكي تروي عطشها وبعد أن غرف ذلك الشخص ما أراده من الماء ظلت تلك الروح داخل الزير ووضع عليها الغطاء فحبست، فلم تعد ترجع لصاحبها فمات صاحبها لاعتبار أن الموت مفارقة الروح للجسد، فغسلوا صاحب تلك الروح وكفنوه، وعند الصلاة جاء شخص إلى الزير فرفع عنه الغطاء فسرعان ما عادت تلك الروح لصاحبها فتحرك الميت صاحب الروح فأعادوه إلى بيته وحكت لهم تلك الروح الحكاية وأن سبب مفارقتها هو عطشها.. رواية لا أتذكر من راويها لكنها تلمح إلى عطش الروح إلا أن الراوي جعل الروح كالجسد تحتاج إلى الماء لإرواء عطشها، وحيث إن الروح من أمر الله كما قال تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) فإن الرواية فيها ما في الروايات من خيال واستعارة إلا أن العطش يظل حقيقة تتعرض له الروح كما الجسد والاختلاف فيما يروي ذلك العطش، حيث إنه في حق الجسم الماء وفِي حق الروح شيء من السماء.
هناك تناغم وتفاهم في مكونات خلق الإنسان بين مصطلحات خمسة متشابكة مع بعضها البعض هي «روحه ونفسه وقلبه وعقله وجسمه»، وهناك علاقة وطيدة بين الروح والنفس من جهة كما قال تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) وعلاقة وطيدة بين القلب والعقل من جهة أخرى كما قال تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) ليبقى الجسد المركبة التي تحمل الروح والنفس والقلب والعقل معًا، أعود إلى عطش الروح وأنه حقيقة، حيث إن للروح تغذيتها الخاصة بها ويتمثل ذلك في الإيمان بالله وذكره وقراءة كتابه والاستمتاع بالروحانيات التي تريحها مثل الصلاة، فقد كان عليه السلام يقول عنها (أرحنا بها يابلال)، وهناك الأذكار اليومية التي تغذي الروح وتنعشها وبالتالي فإن عطشها هو بعدها عن ربها وعن أذكاره وعن الروحانيات التي تريحها وتغذيها، فعندما يبتعد الإنسان عن تغذية السماء من الإيمانيات وعن ربه ودينه ونبيه وأذكار يومه وليله ويتوغل في الدنيا ويشبع نفسه منها وتتمكن من قلبه ويتلذذ بها جسمه أو أنه مع فقره يلهث خلفها يبحث عن السعادة في قيعانها وتصبح روحه صحراء قاحلة جدباء جافة خالية من كل إيمان عندها يبلغ عطش الروح مداه فيبحث عن المنقذ وليس أمامه إلا منطق العقل والدماغ والأسئلة التي تبعثها الفطرة من تلافيف الدماغ الذي تستيقظ في خلاياه إشارات التنبيه التي تدوي بصوت في الضمير أن أنقذوني من العطش ومن تهالك روحي وموتها ولا شك أن الدماغ آية من آيات الله.. وفِي مقال آخر نقف على ذلك الدماغ وخلاياه وعلى الصوت الذي يبعثه عند عطش الروح ونحلل موجاته ونعرف درجاته.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store