Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

بلاد ألفناها على كل حالة

A A
حين حَنَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد سنوات من فراقها، سأل أصيلاً وكان حديث عهد بها: (كيف تركت مكة)؟ فلما وصفها قال صلى الله عليه وسلم: «ويها يا أصيل دع القلوب تقر»!.

إنها طبيعة الإنسان أن يأوي إلى وطنه ويحبه ويتمسك به ويدافع عنه ولو كان قطعة من صحراء جرداء.

فقد فقال الشاعر:

بلاد ألفناها على كل حالة...

وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسنونستعذب الأرضَ التي لا هوا بها...ولا ماؤها عذبٌ ولكنها وطنْ.

ويتحدَّث ياقوت بن عبدالله الحموي في كتابه الشهير «معجم البلدان»، عن بلدٍ اسمها سيراف، وينسب إليها الإمام السيرافي النَّحْوي، فيقول: ولقد رأيتُها وليس بها قوم إلا صعاليك، ما أوجب لهم المقام بها إلا حب الوطن.

ومثله قال أبو عبدالله بن زكريا القزويني في كتابه «آثار البلاد وأخبار العباد»، عن الرصافة: ومن عجيب هذه البلدة أن ليس بها زرع ولا ضرع ولا ماء، ولا أمن ولا تجارة، ولا صنعة مرغوبة!

وأهلها يسكنونها، ولولا حب الوطن لخربت. وقال الجاحظ: كان النفر في زمن البرامكة إذا سافر أحدهم أخذ معه من تربة أرضه في جراب يتداوى به.

وقد قيل من علامة الرشد أن تكون النفس إلى وطنها تواقة وإلى مسقط رأسها مشتاقة.

فكيف إذا كان الوطن مهبط الوحي، ومدرج النبوة، وموطن المقدسات، ومتنزل الملائكة بالرحمات؟ كيف إذا كان الوطن أرض الحرمين الشريفين، وقبلة المصلين، ومقصد ضيف الرحمن؟

كيف إذا كان الوطن هو: المملكة العربية السعودية؟

كيف يكون حبه وشوقه وتعلقه وحنينه حينئذ؟

إن ما ينبغي أن يستقر في أنفسنا هو أن (المواطنة) الحقة هي معنى أوسع وأكبر من مجرد هذا الشعور الفطري النبيل الذي لا يكاد ينفك عنه إنسان.

إن المواطنة (مشاركة) بين طرفين: بين والوطن والمواطن، بين الأرض والإنسان، بين الدولة والشعب.. إنها حالة من التكامل، وتبادل الحقوق والواجبات، والتعاون لصنع مستقبل مبهج، تعز فيه الأوطان بعز بنيها، ويعز فيها المواطنون بعز أوطانهم.

إن الانتساب إلى هذا الوطن المبارك -بلاد الحرمين- المملكة العربية السعودية تكليف كما هو تشريف، وإصرار كما هو افتخار. المواطنة ليست مجرد هوية يحملها الإنسان، ليست مجرد نشيد يردده، ليست مجرد معلومات يحفظها عن تاريخ بلاده ومنجزاتها -مع أهمية كل ذلك-، إن المواطنة إضافة إلى ذلك كله ولاء وانتماء، ووفاء وعطاء، وبذل وبناء، ونصيحة وفداء.

حفظ الله بلادنا وقيادتها من كل سوء ومكروه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store