Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الحوار الوطني.. الدائرة أكبر!

A A
تسعة عشر عامًا تقضَّت من عمر مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني منذ تأسيسه في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عام (١٤٢٤هـ)؛ بهدف «تعزيز ثقافة الحوار واحترام الاختلاف والتنوع؛ محافَظةً على الوحدة الوطنية، وحمايةً للنسيج المجتمعي».

حين ندلف إلى مقر المركز -أو إلى موقعه الإلكتروني- فسنتعرف على كمٍّ وافر من البرامج والفعاليات واللقاءات التي أقامها داخل مقره بالرياض أو تلك التي أقامتها لجانه في بعض المحافظات. لكن الفاحص لأعمال المركز ومخرجاته لا يعنيه حجم الأرقام ولا مستوى الفعاليات ولا تنوع البرامج قدر ما يعنيه تحقق (الأثر الإيجابي الملموس) لدى المواطنين كشيوع لغة الحوار بينهم وحالة القبول بالتنوع (المذهبي والمناطقي والعِرقي) والتواطؤ على المشتركات الوطنية.

فكرة الحوار الوطني جاءت في وقت كثُرت فيه الدعوات المغرضة الرامية لتفكيك اللُّحمة الوطنية بين أبناء الوطن الذين يدينون بالإسلام الخالد ويربطهم اللسان العربي المبين ويجمعهم الوطن الواحد، ولذا كان قيام المركز من أجل المرابطة على هذا الباب وتنشيط حالة الوعي لدى المواطنين؛ حتى يتفطنوا لما يدبره الآخرون ضد وطنهم ووحدتهم، لا بوسائل خارجية مكشوفة وإنما من عمق الداخل؛ وذلك بزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد بالضرب على الحالة المذهبية والمناطقية والعرقية وغيرها.

ثم إن المقصود بهذا الجهد ليس إلغاء التنوعات بحيث نكون على مذهب واحد وقبيلة واحدة وعِرق واحد وتيار واحد وميول واحد؛ لأن هذه التنوعات ستبقى، لكن المقصود أن هناك مشتركات ينبغي الاشتغال عليها؛ كونها تصب كلها في مصلحة (اللُّحمة الوطنية) التي ينبغي أن يلتقي عندها الجميع.

ويبقى الأهم؛ وهو أنه وبعد هذه المسيرة للمركز، هل وقف على مدى تحقق أهدافه لدى المواطنين (سلوكًا عمليًّا) لا وصفًا إنشائيًّا؟، وما هي المحكات التي عرف من خلالها مدى تحقق أهدافه وجودة مخرجاته؟، وهل هو راضٍ عما تحقق، وإن لم يكن فما هي الحلول؟، وهل اكتفى بالاستبانات واللقاءات العابرة لقياس مدى تحقق أهدافه؟، ولماذا لا تكون له بصمة واضحة في المقررات الدراسية؟، وهل من الممكن أن ينشئ له منصة إعلامية (قناة تلفزيونية) لتصل أهدافه لكل منزل؟، وهل يشاهد ما نشاهده من حضورٍ للتلاسن المذهبي والتفاخر المناطقي والتنابز العِرقي؟، وهل يكتفي بدور الواعظ مع هذه الإشكاليات، أم أن دوره يذهب لما هو أبعد؟.

المركز قدم الكثير لتوضيح مفهوم الحوار وتفعيل ثقافته بين شرائح المجتمع بطرائق وأساليب متعددة لكنها تظل قاصرة عن الوفاء بالغاية المنشودة؛ لأن المستفيدِين من تلك الطرائق والأساليب مهما تنوعوا يظلون دائرة صغرى لا تكاد تمثل شيئًا في دائرة المجتمع الكبرى، وهذه الدائرة الصغرى حتى وإن استفادت فهي عاجزة عن إيصال الرسالة بتمامها للدوائر التي وراءها، ثم إن أفراد هذه الدائرة المستهدفة معظمهم -إن لم يكن جميعهم- يمثلون الجيل الجديد الذي ربما ليست لديه رواسب مذهبية أو مناطقية أو عرقية وبالتالي فهو أقرب لاستيعاب ثقافة الحوار ومجانبة الكثير من الإشكاليات التي تَنقب في جدار اللحمة الوطنية.

برأيي فإن أكثر المستهدفين بالحوار الوطني لايزالون بعيدين عن أهداف المركز، والمستهدفون أرى دائرتهم أكبر ممثلة في الرموز والأقطاب -على اختلاف توجهاتهم واشتغالاتهم- التي يأتي خلفها حشد من الأتباع الذين يصدرون بدورهم عن هذه الرموز والأقطاب، أراهم كذلك في هرم كل مؤسسة حكومية وأهلية أو قبيلة أو جماعة أو تيار أو برنامج تلفزيوني (ديني ثقافي رياضي...)، وهذا يعني أن الدائرة المستهدفة أكبر مما هو حاصل، بالتالي فخروج المركز من القاعات المغلقة والدوائر الصغرى ووصوله إلى هذه الرموز يعني اختصار الكثير من الوقت والجهد. وقد رجوت المركز قبل فترة في مقالي (عن أي تسامح نتحاور؟) أن يغير اتجاه بوصلته فيبدأ بقياس نبض الحوار والتسامح في (المؤسسات الحكومية خاصة) تجاه ما تتعرض له من نقد المستفيدين وملاحظاتهم؛ لأنه سيرى عجبًا من ردة فعل بعضها وافتقارها للحوار؛ حين جعلت الاستجوابات والمساءلات بديلة للحوار، وهو ما يعني أن تلك المؤسسات لم تسمع بالحوار أو أنها لا تؤمن به، لذا فالتفات المركز إليها ضمن الدائرة الكبرى المستهدفة يُعد أولوية قصوى وعاجلة.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store