Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالواحد سعود الزهراني

الغويد.. 90 عاما من الشموخ

A A
محمد بن مبروك الغامدي أو الغويد كما هي شهرته -رحمه الله-، عرفته منذ طفولتي، كما عرفه أبناء جيلي وقتها، شاعرًا، يمتلك صوتًا يخرج من حنجرته ليملأ الجهات جميعها، ليتغلغل في الأرض فيختلط بالثرى فتتشربه الحنطة واللوز والنخل، ويصعد إلى الغيم فينزل مع حبات البرد، هكذا كان يتراءى لي

شاعرًا، و فارسًا مقدامًا أيضًا، ونموذجًا متكاملاً للرجل العربي الأصيل، بصدقه وكرمه وحكمته وتضحيته وشموخه وبساطته، الشاعر الذي كان يعد فرس الرهان لنجاح أي مناسبة يحضرها، ورغم ميله الشديد إلى السلام والهدوء، إلا أن الجميع يحسب له ويهابه بما في ذلك أشد الشعراء شراسة.

عرفته ثانيًا من خلال علاقته بوالدي -شافاه الله-، فقد رأيته قبل أن أقتحم ساحة الشعر، كان ذا جاذبية وكاريزما غامرة، سريع البديهة، حاضر الذهن، لطيف المعشر، متأنق، لبق، قادر على أن يتسيد دفة الحوار سواء في المحفل أو المجلس، وكان والدي يزوره بين الحين والحين ليس إلا من أجل الزيارة.

ثم عرفته في بدايات حماقتي الكبرى (الشعر)، ووجدت الدعم الذي لم أكن أحلم به إطلاقًا، وكنت أقول لنفسي: ما دام اقتنع بي الغويد فهذا يكفي، منحني ثقة غير عادية، وقدم لي كل ما يمكن أن يدعم به شاعر مبتديء بما في ذلك التحدي بمستويات عليا، ولعدة سنوات كان يطلبني لمشاركته مناصفة، حتى اشتد عودي وأصبحت اسمًا له حضور واحترام، ولا أنسى كم كان يحتفل ويبتهج ويهتز طربًا إذا كانت ردودي عليه موافقة لما في خاطره، وكنت أظن هذه المنحة لي فقط لأجد أن هذا تعامله مع كل طلابه ورفاق دربه ابتداء من محمد بن مصلح -رحمه الله-، مرورًا بسعد بن عزيز، ثم محمد بن ظافر، ثم رمضان المنتشري، ثم أنا، ولا أبالغ إن قلت أن للغويد يدًا بيضاءً علينا جميعًا.

جاء الغويد -رحمه الله- من البادية، فأحبته البادية والحاضرة والسهل والجبل، وربما تداول الناس أن اسم الغويد كان شرطًا يشترطه الناس ليحضروا مناسبة الزواج، وما شابه ذلك مما ارتبط بشخصيته وقبوله لدى كل الناس، الغويد، الذي كان سليمًا من عقد النقص والألوية و العنصرية، والإقليمية، تقبل كل الناس فتقبله كل الناس، الغويد الذي لم ينقل عنه طوال عمره أنه ذكر أحدًا بسوء، نظيف المظهر والقلب واللسان، الغويد الذي اختلف مع رفيق دربه ابن مصلح -رحمه الله- وانتقلا إلى الدار الآخرة ولم يعلم أحد ما موطن الخلاف، وكلٌ منهما لا يذكر الآخر إلا بالخير.

الغويد.. ليس مجرد شاعر، تربص الناس به ريب المنون فأدركته، وانتهى كل شيء.. الغويد، علامة فارقة، وشخصية قد لا يكررها الزمن.. رحمك الله يا أبا مسفر.. وإنا على فراقك لمحزونون.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store