Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

بكالوريوس شريعة في كُشْك قهوة!!

A A
عندما أوقفْتُ سيّارتي بجانب كُشْك قهوة في مدينة جدّة، طالباً مشروبي المُفضّل، رحّب بي عامل الكُشْك قائلاً: «خدَّامُكْ»، فعرَفْتُ من لهجته أنّه مواطن وهذا أسعدني، فلا خيار إستراتيجي لدينا سوى توطين المهن اليدوية التي هي أمّ المهن، وينبغي أن تكون في جُعْبتنا الخالصة، لكنّ الذي لم يُسعدني هو ما عرفته منه بعد مبادلته لأطراف الحديث، إذ أنّه من مدينة الطائف، ويحمل شهادة بكالوريوس شريعة إسلامية من جامعتها، ولم يجد وظيفة تناسب تخصّصه الدراسي في الطائف ولا حتّى وظيفة أخرى غير مناسبة، والتي وجدها هي وظيفة عامل قهوة في هذا الكُشْك بِجدّة التي تبعد عن الطائف ١٥٠ كيلومترًا.

وأقسم لي أنّه لو وجد وظيفة تناسب تخصّصه ولو بأقصى صحارينا النائية لَقَبِلَها، لكن ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

ومشكلة هذا المواطن الذي هناك العديد مثله وهي مشكلتين في مشكلة واحدة، حيث يعاني من البطالة العامّة في مدينته، بعد أنّ استأثرت المدن الكبرى بالنسبة الأكبر من الوظائف، وهذا شيء طبيعي، لكن قد يسبب خللا تخطيطيًا أتمنّى إصلاحه تفادياً لهجرة المواطنين من القُرى والمدن الأصغر إلى المدن الأكبر التي تتكدّس فيها الأيدي العاملة وتُسبّب مشكلات أخرى كثيرة.

وفي جدّة التي هاجر إليها المواطن، عانى من البطالة النوعية، وهي العمل في غير مجال التخصّص الدراسي، وهي بطالة سيئة أيضاً، لأنّها تُكلف الدولة مليارات كثيرة قد صرفتها على المواطنين الذين يعانون منها خلال دراستهم التخصّصية، وهنا أشير إلى عدم نموذجية التخطيط والتنسيق بين جامعاتنا وقطاعاتنا التوظيفية، فإن كانت هناك تخصّصات وظيفية مُشبّعة بالموظّفين فلماذا نستمرّ في تدريسها ونُخرّج الآلاف من المواطنين سنوياً ثمّ نجعلهم يواجهون البطالة النوعية؟ كان الأوْلَى أن نُدرّسها بأعداد يمكن استيعاب خرّيجيها في سوق العمل، وقد صار تحسين التخطيط والتنسيق بين الجهات المعنية ضرورة قُصوى.

وتحرّكْتُ بسيّارتي ومعي مشروبي الذي عُفْتُه ولم أشربه، وكيف لا أعافه وأنا أرى يومياً مواطنين يُعانون من بطالة نوعية أو عامّة؟ تعدّدت الأسماء والبطالة واحدة، ويا أمان العاطلين من شر كل بطالة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store