Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

رجال رسخوا في الذاكرة

A A
قصة أبي الحسن بن علي بن حمزة الكسائي معلم ابني الخليفة هارون الرشيد الأمين والمأمون تكشف ما كان للمعلم من هيبة وإجلال، ولا شك أن مرد ذلك لشخصية المعلم وما له من رسوخ علمي وتربوي، ذكّرتني هذه القصة بكوكبة من الأساتذة الذين درست على أيديهم في تسعينيات القرن الميلادي الماضي طالباً في كلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.. لقد رأيت فيهم نماذج مشرقة للأستاذ والمربي والموسوعة.

أذكر من هؤلاء الأستاذ الدكتور سمير كامل عاشور أستاذ التحليل الإحصائي والاحتمالات بمعهد الدراسات والبحوث الإحصائية بجامعة القاهرة، ما زلت إلى الآن احتفظ ببعض الأوراق (المدونة) بخط يده والتي كان يستخدمها لشرح بعض المعادلات الإحصائية حين كنت أذهب إلى مكتبه طلباً للمساعدة.

وأذكر في ذلك الوقت أن الحصول على مقعد للدراسات العليا في الجامعات الغربية كان يأخذ وقتاً طويلاً بسبب المراسلات التي كانت تتم عبر البريد المكتوب.. فذهبت إليه طلباً للمساعدة في الحصول على قبول من جامعة ويلز في بريطانيا والتي تخرج فيها، وبمساعدته تمكنت من الحصول على قبول غير مشروط. ومنهم أيضاً الأستاذ الدكتور علي أبو ستة -رحمه الله- أستاذ الفيزياء الرياضية بكلية العلوم في جامعة الأزهر، شديد التمكن من مادته وله طريقة مشوَّقة في تدريسها بأسلوبٍ جميلٍ وعصري.. وبعد انتهاء إعارته لجامعة الملك عبدالعزيز لأسباب مرضية زرته في منزله بمدينة نصر في القاهرة وكان لا يزال يعاني من المرض، فطلب مني قطعة من قماش الكعبة المشرَّفة وعند عودتي ذكرت ذلك لأحد الأصدقاء وإذا به يعطيني قطعة من قماش الكعبة وعلى الفور سافرت إلى أستاذي وأعطيته ما طلب وكان في قمة السعادة.

منهم أيضاً، الأستاذ الدكتور محمد حبيب أستاذ الإحصاء الرياضي في كلية التجارة بجامعة الأزهر هذا العلم يشعرك بأنك أحد أبنائه، الذي قال لي ذات مرة: يابني جئتك بمجموعة من الأبحاث أريدك ان تقرأها وتعطني رأيك فيها! وبذلك أعطاني درساً عملياً في كيفية إعداد البحوث وصياغتها.

ومنهم الأستاذ الدكتور عصام خلف الحسيني -رحمه الله- أستاذ الإحصاء الرياضي في جامعة أسيوط والحائز على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الرياضية عام 1983م من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، ذلك الحريص على أبنائه الطلاب، كان يأخذ بيدي شخصياً إلى المكتبة فيطلعني على الأبحاث ويناقشني فيها.

وأختم بالأستاذ نعيم سليمان المحاضر في كلية التجارة بجامعة القاهرة، كان مكتبه بالقرب من مكتبي، كنت أستعين به في كتابة التقارير وطلبات الابتعاث، وعلى الرغم من ضُلوعه في مادته إلى أنه يملك روحاً مرحة.

هذه صفحات من (الذاكرة) تشهد لأولئك الرجال الذين تشرفت بالتلمذة على أيديهم، ولكل أستاذ مخلص (نهمس في أذنه) بأن الأجيال لا تنسى، وأن الأستاذ الحقيقي يبقى أثره في تلميذه ما بقي حياً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store