ثُمّ إنّ مؤلف المسرحية ليس بالأنموذج الذي نقدمه لأجيال القرن الحادي والعشرين، فهو صاحب الوجودية الملحدة؛ إذ يرى أنَّ الله لا وجود له، وأنَّ الوجود الحر للإنسان، ويرى سارتر أنَّ قوله: «إنَّ الإنسان حر» مرادف لقوله: «إنَّ الله غير موجود» لأنَّ وجود الإنسان لا يخضع لماهية أو طبيعة محدودة.. وزعم سارتر أنَّ الإنسان هو الذي يضع مقاييس الحق والخير والجمال، فأعطى للإنسان ما هو لله وحده». [سهيلة زين العابدين حمَّاد، إحسان عبد القدوس بين العلمانية والفرويدية، ص 439،ط1،سنة 1411هـ-1990م، دار الفجر الإسلامية-المدينة المنورة].
من هنا نجد الوجودية السارترية تقوم على الآتي:
1- الكفر بالله ورسله وكتبه، وبكل الغيبيات، وكل ما جاءت به الأديان؛ فلقد اعتبرتها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل، وقد اتخذت من الإلحاد مبدأً.
2- أنَّ الإنسان أقدم شيء في الوجود، وما قبله كان عدمًا، وأنَّ وجود الإنسان سابق لماهيته.
3- أنَّ على الإنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود الدينية والاجتماعية والفلسفية والمنطقية، وأنَّ له حريته المطلقة، وأنَّ له أن يُثبت وجوده كما يشاء، وبأي وجه يريد لا يقيده شيء، وأنَّ الوجودي الحق هو الذي لا يقبل توجيهًا من الخارج، إنَّما يسير نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود؛ إذ لا وجود لقيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه، إنَّما يفعل كل إنسان ما يريد، وليس لأحد أن يفرض قيمًا أو أخلاقًا معينة على الآخرين، فالدين محله الضمير والحياة بما فيها خاضعة لإرادة الشخص المطلقة.. وقد أدت هذه الآراء إلى شيوع الإلحاد والفوضى الخلقية والإباحية الجنسية، والتحلل والفساد.
4- العبثية أي عبثية خلق الإنسان، وعبثية الحرية فيقول سارتر (إنَّ الله غير موجود)، أمَّا عن الخلق فيقول في كتابه الغثيان (موجود يولد بدون سبب ويستمر بالضعف، ويموت بالصدفة)، ويقول في كتابه «الكينونة والعدم» (الكينونة هي بدون سبب ولا علة ولا ضرورة)، [سهيلة زين العابدين حمَّاد، المذاهب الأدبية الغربية الحديثة وأثرها على الفكر العربي. ص 37. معد للطبع].
وهكذا نجد وجودية سارتر الملحدة قد حكمت على الإنسان بوجود عبثي، مما أدى بالوجوديين إلى طرح هذا السؤال: هل تقضي الحكمة بالتخلص من الوجود عن طريق الانتحار؟ [المرجع السابق. ص 37].
فهل الفيلسوف جان بول سارتر مؤلف مسرحية «المومس...» الشخصية الأنموذج والمثل التي نقدمها لأولاد وبنات هذا الجيل، وكأنّنا نطلب منهم أن يكونوا مثله، ومنهم قد أصبح ملحدًا، أو مدمنًا للمخدرات و.. ونسبة الانتحار بينهم ليست بقليلة...؟