عرفتك أبا أيمن ولم أر إلا الأدب والأناقة، ليس فقط في لبسك، بل في تعاملك وأخلاقك وحلمك، لم أسمع منك ما يسوء أحدًا، خلوقاً سمحاً، وداعاً أبا أيمن، فأنت غادرت المكان والزمان، وتظل في مساحة مضيئة من الذاكرة، كنت نسيجاً فكرياً وثقافياً، تحمل علماً وفكراً نيِّراً، ووسطية معتدلة من ذلك الطراز، وكانت أناقة كلماتك مثل تحليق الفراشات حول الضوء.. ففي هذه الدنيا يعيش أناس يُكرِّسون حياتهم للآخرين أكثر من التفاتهم لحياتهم، ولكنها الحقيقة والنهاية لكل حي، وهي سنة الحياة.. فالموت حق.
عُذرًا أبا أيمن.. أجزم أنك كنت محوراً مهماً في مشاعر الحب والود لكل أحبابك وأصدقائك.. كنت عزيزاً وغالياً على نقي النفس، الحبيب الإنسان -المرحوم بإذن الله- الدكتور عاصم حمدان، وأذكر كلماتك بعد رحيله حيث قلت: (رحل عن دنيانا الفانية الأخ الحبيب والصديق الحميم ورفيق الدرب الأستاذ الدكتور عاصم حمدان علي، الذي كان عَلماً من أعلام الفكر والأدب والثقافة في بلادنا والعالم العربي كله، وفي ذكرى الوفاة الأولى في هذه الأيام المباركة، لا نريد أن نُكرِّر الحديث عن نتاجه الفكري الضخم، الذي سيبقى له إن شاء الله علماً يُنتفع به، بل يجدر بنا أن نذكر مناقبه وصفاته الحميدة التي نهلها من المدينتين المقدستين مكة المكرمة، والمدينة المنورة، فهو ابن الحرمين معاً في آنٍ واحد، وُلد ونشأ في طيبة الطيبة في كنف واحد من رجالها الكبار، العمدة حمدان علي حمدان، الذي يعرفه أهل المدينة بالصدق، ثم كانت دراسته الجامعية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، واستقر عمله في جامعة المؤسس).. انتهى.
ولن أجافي الحقيقة إن قلت: لم أركَ خلال تلك السنوات الطويلة التي عرفتك فيها إلا ووجهك مبتسمًا، حتَّى كُنت تُبسط وجهك السمح للذين أساءوا إليك.. تحمل قلبًا متسامحًا، وحلمًا لا تُكدّره صغائر الأشياء.
أي مواقف جميلة أتذكرها، في منزل عاصم حمدان، والأحاديث بكل هدوء، وفيض الروايات والقصص التي نسجت نبض الحياة، والذكريات هي ما بقي من ذلك كله، أستعيدها بعد أن توثقت في الذاكرة.. ولكن قَدَر الموت حاصل لا محالة، والمؤمن يرضى بقضاء الله في خلقه.. والموت زائر لا يلتزم بقانون المواعيد المُسبقة.. وأراد الله عز وجل أن يقف ذلك القلب الذي كان مليئاً بالحب، وبذلك السلوك الرفيع وتلك النفس التي توطنت على فعل الخير. وداعا أبا أيمن.. على أمل اللقاء في أعالي الجنان.