Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

كابوس الحوادث المرورية!

A A
حين كنت أدرس في جامعة (ويلز) كان معي صديق سعودي، ظل هذا الصديق 8 سنوات يحاول الحصول على رخصة قيادة بريطانية دون فائدة! مع أنه كان يحمل رخصة قيادة سعودية! في آخر محاولة له قبيل تخرجه اجتاز الاختبار العملي، ولكن عجزه عن تذكر (ألوان) إحدى الإشارات المرورية حرمه من الحصول على الرخصة! قد يبدو لك ذلك نوعًا من التشدد المبالغ فيه، ولكن الإحصاءات التالية قد تغير رأيك:

- آلاف الأشخاص يلقون حتفهم سنويًا جراء حوادث السير في المملكة، منهم أكثر من 4000 شخص يفارقون الحياة رغم تطبيق نظام ساهر.

- إن تكاليف العلاج السنوي لمصابي الحوادث المرورية في المملكة يعادل ميزانية دول لها كيانها وحضورها الدولي.

- دعنا نتجاوز الخسائر المادية إلى التأمل في خسائر الأرواح، وما يترتب على كل فقيد من آثار سلبية نفسية واجتماعية على أسرته وأقاربه ومجتمعه لا تنتهي هذه الخسارة بل تظل ممتدة لفترات طويلة، كما أن الجروح التي يتركها الفقد لا تندمل مطلقًا. حين نتأمل هذا الحجم المهول من خسائر الحوادث المرورية بشريًا وماديًا فإننا سندرك لماذا تجعل دولة كبريطانيا الحصول على (الرخصة) صعبًا إلى هذا الحد.

سأروي قصة أخرى:

كنت أسير في الخط السريع الرابط بين مدينتي (لندن) و(بيرمنجهام)، واحتجت إلى الانتقال للضفة الأخرى، وبدلاً من الخروج من المخارج المخصصة انسللت عبر فتحة طوارئ مستغلاً فراغ الشارع من السيارات، وعدم وجود رجال الشرطة، وبعد دقائق توقفت في محطة للتزود بالوقود فإذا بسيارة شرطة تقف خلفي، وإذا برجل المرور يسألني: كيف تخرج في الخط السريع من ضفة إلى أخرى؟ قلت: عبر المخارج، قال: ولكنك لم تفعل ذلك قبل قليل! وردني بلاغ من أحد المواطنين، ولو أني رأيتك بنفسي لسحبت رخصتك ومنعتك من القيادة سنة كاملة!! فلا تعد لمثلها! سنة كاملة من الحرمان بسبب دخول من فتحة طوارئ!

مرة أخرى ليست هذه مبالغة في التشدد ولكنها صيانة للأرواح والمقدرات، ولا تغفل وعي المواطن الذي بلغ عن تجاوزي ومخالفتي.

إن القضاء على الحوادث بالكلية متعذر، ولكن تقليلها قدر الإمكان واجب وطني لا يجوز التساهل فيه أبدًا.. وكل تشديد يضمن تقليل الحوادث وحماية الأرواح هو في محله.

وليتسنى لنا بلوغ المأمول فلا بد من مراعاة (ثلاثية الحوادث): السائق، والمركبة، والبيئة.. لابد من سائق واع منضبط، ومركبة سليمة، وشبكة طرقات صالحة.

وكل علاج لا يستوعب هذه الثلاثة معًا هو علاج جزئي محدود الأثر، وقد لا يحقق النتائج التي نتوخاها جميعًا، لأن كابوس الحوادث المرورية وفواجعه اليومية أصبحت تجثم على صدور كثير من الأسر، وتغتال فرحة الأمهات والآباء المكلومين بفاجعة فقد فلذات أكبادهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store