Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

بناء الأبناء..أفضل من البناء لهم!!

A A
حين تُنضجُ الأيامُ خبرةَ الإنسانِ، ويصقلُ العلمُ عقله، وتَرْفِدُ الحوادث تجربته، فإنّه يصبحُ حكيمًا ذا رأيٍ وبصيرةٍ، تتدفّقُ منه الحكمةُ كما يتدفق الماءُ الزّلالُ من النبعِ العذب. وإذا زاد على ذلك إنْ كان مُعلّمًا فإنّ رصيد خبرته وتجربته يتضاعف، وتغدوا عباراته ونصائحه بمثابة (الخُلاصة الإنسانية المركّزة).

وأظنّ أن التوصيف السابق ينطبقُ انطباقًا أوليًا على هذه الكلماتِ العظيمة التي وجهها خبير تربوي للآباء، وكانت بصدق خارطة طريق ومنارةً تربويةً استثنائية. وإليكم ما جاءَ في كلمتِهِ للآباء:

«إياكم أن تبنوا لأولادكم حجرةً واحدة، أو تبنوا لهم بيتًا، أو تشتروا لهم أرضًا أو شقة، أو تتركوا لهم نقودًا في البنك، لو كان معكم أموالٌ زائدة استثمروها في أولادكم، وإياكم في الاستثمار لهم.

اصرفوا كل النقود الزائدة عليهم؛ فأدخلوهم أحسن المدارس وأحسن الجامعات؛ وعلموهم أحسن تعليم، علِّموهم لغتين أو ثلاثًا أو أربعًا.. أفهموهم أن النجاح في الحياة ليس بالضرورة أن يكون مرتبطًا بالنجاح في المدرسة أو الجامعة، فربنا خلق لكل واحد موهبة تختلف عن الآخر، والمحظوظ هو من اكتشفها، والشاطر هو من عمل عليها، والناجح هو من عمل بها.. ومن أجل هذا اكتشفوا مواهب أولادكم، اعملوا واصرفوا عليها ونمُّوها، ودعوهم يعملوا ويكبروا بها.

النقود لن تعمل لهم شيئًا لو كبروا ووجدوا أنفسهم ليس معهم غيرها!

والبيت الذي ظللتم طيلة أعماركم كلها تستثمرون نقودكم فيه، وتبنونه لهم، سيأتونَ بأحسن منه بمجهودٍ أقلَّ، ووقتٍ أقصر، لو أنَّكم كرستم نقودكم ومجهودكم في بناء أنفسهم والاستثمار في شخصهم

ابن ابنك ولا تبن ِ له، واستثمر فيه ولا تستثمر له. الإرث الحقيقي لأولادكم ليس المال أو البيت أو الأرض، بل هو أولادكم أنفسهم عبر التعليم». اهـ.

قطعًا لم يقصد الخبير التربوي التقليل من أهمية توفير المعاشِ الحسنِ، ولكنّه أراد أن ينبه بشدةٍ إلى أنَّ الأولويةَ إنما هي في (بناءِ الأبناء)، لا (في البناء لهم).

هناك فرق كبير بين من يرعى أبنائه ومن يربيهم، الأول يوفر لهم المأكل والمشرب والملبس، والثاني يبني القيم والقناعات ومعايير الخطأ والصواب.. وكم نحنُ بحاجةٍ إلى هذا المعنى.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store