هذا مدخل بسيط لطرح وجيز للحديث عن هوية العروبة ومكوناتها.. قبل الإسلام كان هناك كيان عربي جغرافيًا ولغة وحياة وإنتاج فكري تمثله وسائل التعامل والتنافس والمد والجزر مع كيانات الجوار وأنظمة حاكمة لحياة العصور السابقة لنزول الوحي تمثل جذور تاريخ العرب وحضارتهم وعناصر التكوين ومن أهمها اللغة وأساليب التعامل بداية من الأسرة نواة المجتمع الصغير والقبيلة ووسائل الحياة المتعددة من زراعة ورعي وحرف وتبادل مصالح بين الأفراد والجماعات حتى القبيلة أكبر مكون تجمع بين أفراد وأسر ومجتمعات صغيرة وكبيرة وطريقة حياتها من سكن وملبس وغذاء، وعند مجيء الإسلام بدأ التكوين الحضاري يتشكل بمفاهيم أوسع وأعمق لتطوير الإنسان وأنماط حياة البشر، والإعداد للتغيير لم يأتِ فجأة بل أخذ فترة إعداد وإرهاصات على مدار الأربعين عامًا الأولى من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد كانت تلك الفترة مرحلة إعداد إلهي محكم بقدرة الخالق عز وجل لأن التغيير كان مراده الإصلاح والرشاد والعدل والعبادة بتوحيد الربوبية والألوهية للخالق سبحانه وتعالى عما يصفون.
إن التنازع بين الدين والدولة الذي اهتمت به الليبرالية الغربية كثيرًا مصدره أن القياس أُسقط على الإسلام من الديانات الأخرى بدون دراسة متعمقة لمكونات الإسلام الذي شمل التشريع لكل شؤون الحياة الاقتصادية والسياسية وحقوق الإنسان والحقوق والواجبات بصفة عامة وهذا ما يؤكد أن الإسلام دين ودولة مع فتح باب المرونة لمواكبة التطور والمستجدات بما يخدم المصلحة العامة، وهذا ما نشهده على أرض الواقع في الدول التي تتمسك بمفهوم ومبادئ إن الإسلام دين ودولة لأنه يلبي حاجات المجتمع ولا يعيق التطور والنمو.. وهذا دليل آخر على أن الإسلام من مكونات الهوية العربية حيث لا يوجد ما يبرر فصل الدين عن الدولة إلا سوء ممارسات التطبيق لنصوص الدين الإسلامي التي لا تعد كافية بكل المقاييس العدلية والإنسانية تحت مفهوم الحقوق والواجبات والصمود خلال 14 قرنًا أكبر دليل على الاستمرار والمصداقية.. وعدد كبير من فلاسفة التنوير والمفكرين غير العرب يشيدون بالإسلام وبنشأته في أرض الجزيرة العربية واستمراره حتى اليوم وإلى يوم الدين بإذن الله تعالى.. والله من وراء القصد.