ويعتبر رجب الهجري وديسمبر الميلادي، شهرين عظيمين فيهما حثٌّ لإحلال السلم وإشاعة المحبَّة والوئام بين العباد كافَّة، ونبذ القتال وتركه امتثالًا لقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُوْنَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِيْنَ﴾.. وفي الإنجيل قول يُعزى للسيِّد المسيح عليه السلام: «سلَامًا أترُكُ لكُم، وسَلامي أُعطيكُم، لا كما يُعطيهِ العالَمُ أُعطيكُم أنا، فلا تَضطَرِبُ قُلوبُكُم ولا تَفزَعُ».
ومن كرم المولى في تحريمه جلَّ جلاله القتال وسفك الدماء في الأشهر الحُرُم مضاعفة الأجر والثواب لعباده الصالحين، ومضاعفة الإثم والعقاب للمذنبين، وهو خير القائلين في محكم التنزيل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ﴾.. كما شدَّد سبحانه وتعالى على حرمة الظلم فيها بقوله: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم).
الحكمة من تحريم القتال في تلك الأشهر، تمكين الحجاج والمعتمرين كافَّة من الوصول إلى مكَّة المكرَّمة وأداء الفريضة وممارسة الحياة بسلام، وأن يعودوا إلى بلادهم وبيوتهم بأمان أيضًا حاملين رسالة رحمة الإسلام.. وفي هذا التوجيه القرآني فرض هدنة بين أهل الصلاح وأهل الضلال لمدَّة أربعة شهور من كلِّ عام! وما أحوج عالم اليوم بعد أن: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).. وما لم يُتدارك الأمر، والعمل بما أوجبه قول الله، لا خلاص للعالم حتَّى تُشرِّع الدول الإسلاميَّة والمنظَّمات الدوليَّة في قوانينها ودساتيرها مادَّة احترام حُرمة الأشهر الحرم فتتيح مناسبتها فرصة حوار لحلِّ الاختلافات، ووضع حدٍّ لتدخُّلات القوى الاستعماريَّة في البلدان التي استقلت عنها، وكفِّ يد عملائها عن إثارة الفتن والعمليات الإرهابيَّة، لن يحلَّ السلام الذي ينشده العالم.