ومع ما أفاء الله به على بلاد الشام من نِعَم الطبيعة بينابيع وأنهار، فقد كان لأهلها السبق في تسخير مياه الأنهار لري مرتفعات الأراضي الزراعيَّة بتصميمهم الناعورة لرفع الماء من مجراها في النهر إلى تلك المرتفعات والمدرجات الزراعيَّة.. وليس أدلَّ على ذلك من نواعير مدينة حماة على نهر العاصي، شمال غرب سورية.. صُمِّمَت الناعورة على شكل دولاب دائري متحرِّك يخترق وسطه عارض متين إمَّا معدن أو خشب مثبت بعامود في ضفِّة النهر، وثانٍ في الضفَّةِ الأُخرى.. وعلى محيط دائرة الناعورة تثبت دلاء تملأ عند انغمساها في الماء بفعل مسار الدولاب مع مجرى النهر.. وبانحدار الدلاء مع دوران الدولاب تفرغ ما فيها على مسار مُصمَّم فوق النهر تجري فيه المياه المفرغة إلى المرتفعات لري زراعتها.. وتستمر الناعورة في جريانها دون توقُف..
لا ريب أنَّ رفاهية الأُمم والشعوب تقاس بما تحقِّقه دورات دولاب الحياة من معطيات تضفي على حياتنا قيمتها، وتطيل -بإذن الله- أعمارنا.. ولقد شهد عالمنا العربي في المئة سنة الأخيرة دوران دواليب متعدِّدة بعدد من بلداننا العربيَّة التي جزَّأها الاستعمار والعملاء دون أن يُتاح تقديم ثمارها لعدم استقرار أنظمتها، وتحكُّم الفاسدين والعملاء في أمورها باستثناء بلد الحرمين الشريفين التي هيَّأ الله لها الملك المؤسِّس عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه ليربط أجزائها المتناثرة بين الخليج والبحر الأحمر، وليقيم دولة حرَّة يحكمها الشرع الحنيف.. وعلى هديه ومآله، تابع أنجاله الملوك وخدَّام الحرمين الشريفين بالتفاني حتى ارتقت إلى مصافي الدول المتقدِّمة، قمَّة العشرين الاقتصاديَّة، متمتِّعة بعملة قويَّة مستقرَّة معادلة بالدولار الأمريكي المعتمد عالميًّا للتبادل التجاري، ممَّا حقَّق للأمَّة التمتُّع بثروات أرضها وإعمارها، فغدت قدوة للشعوب الأُخرى للنهوض ومجاراة الأمم في التحديث والإعمار.