هيئة لقوتنا الناعمة

* (القُوة الناعمة) مصطلح له جذوره في التاريخ الإنساني، ولكن بدأ الاهتمام به بعد الحرب العالمية الثانية، فيما برز الحديث عنه والالتفات له كسلاح فَعّال عام 1990م، وكان ذلك من عالم السياسة الأمريكية: (جوزيف نَاي)، الذي أكَّد على أهميته باعتباره (القدرة على التأثير في سلوك الآخرين عبر الجاذبية والاحتواء، وليس الإكراه).

******

* ومن أبرز أدوات القُوّة الناعمة: (الموروث والثقافة، والعِلم، والفنون، والاقتصاد، والرياضة، والتّبادل الطّلابي، والأهـمَّ التجارب المجتمعية الناجحة التي تجبر الآخرين على الانبهار بها، والبحث عن استنساخها، وهناك المبادرات الإنسانية والإغاثية، طبعاً والإعلام المُؤثّر الذي يُرَوِّج لكل ذلك).

******

* فأمريكا إنما رسّخَت لهيمنتها بغزو العالم واختراق مجتمعاته برأسماليتها وثقافتها وأسلوب حياة مجتمعها من خلال الأفلام والمسلسلات، واجتذاب الدارسين في معاهدها وجامعاتها، واستقطاب المثقفين من خلال مـا يسمى بـ(برامج التبادل الثقافي والمعرفي)، والصّين ركّزت على الصناعة والرّياضة، لاسيما الأولمبية، أمّا فرنسا فعملت على نشر ثقافتها خاصة في مستعمراتها السابقة، وما زالت من خلال تعزيز (روابط الفرنكوفونية).

******

* وبالعودة لحاضرنا، ومن ثم لـ(وطننا) نجد أنه يتميز بالجذور الراسخة لثقافته وحضاراته وعمقه العربي والإسلامي، كما أنه قدّم الكثير للغير عربياً وإسلامياً، ودولياً، سواء كان منح دراسية أو برامج إغاثية كبيرة ونوعيّة «إنسانية وصحيّة وتعليمية وسكنية»، أو مواقف داعمة للقضايا العادلة لمختلف الشعوب، ولكن -للأسف الشديد- كلّ ذلك مصيره التجاهل والنسيان!!

******

* ولذلك أسباب منها: أنّ تنفيذه لم يكن وفق عمل مؤسسي منظم يدرس المعطيات، ويتوقع النتائج والمخرجات، كما أنّه افتقد للتسويق الإعلامي الذي يبرز قيمته وأثره لدى المجتمعات المستفيدة وفي وسائل إعلامها، بل المؤلم جداً أن جهود المملكة ومشروعاتها الإنسانية في بعض الدّول قد تُنسب لغيرها، فيما تتم شيطنة عطاءات أخرى، وتزوير أهدافها النبيلة؛ لتُصبح في إطار (المأْكول المذموم)، وقد رأيتُ هذا ولمسته في عدة دول أفريقية زرتُها!!

******

* أخيراً (القّوة الناعمة) سلاح مهم وأهمّ في عالمنا اليوم، خاصة مع سطوة مواقع وبرامج التواصل التي اختصرت المسافات ودمجت الثقافات، فما أتطلع عليه أن تقودنا رؤيتنا الطموحة نحو 2030م، إلى الاهتمام بهذا الملف بإنشاء (هيئة لقُوتنا النّاعمة) ترسم سياساتها وإستراتيجياتها، وتضع برامجها ومبادراتها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.