Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أثر البحوث العلمية في نهضة الأمم

الإسلام دين العلم لا شك في ذلك، فأول آية نزلت من كتابه العظيم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* ع

A A

الإسلام دين العلم لا شك في ذلك، فأول آية نزلت من كتابه العظيم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1-5]، لهذا امتن ربنا على عباده أن زودهم بأدوات العلم أو وسائله فقال: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]، والعلم دوماً يسبق العمل، فلا عمل إلا بعلم (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد من الآية: 19]، بل إن القول بلا علم جريمة فربنا عز وجل يقول: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]، ولا يقولن أحد أن العلم هنا المقصود به فقط علم الشريعة، فكل علم ينتفع به في الإسلام تحصيله عبادة، حتى ولو كان علم الميكانيكا، فحكم طلبه فرض كفاية يثاب عليه المؤمن إن قام به، المهم أن يخلص في طلبه، وأن يخلص عند العلم به بعد تحصيله له، أن ينفع به الأمة، ويحقق به آمالها، والمسلمون عندما فهموا هذا الفهم تعلموا سائر العلوم في عصرهم الأول، ونبغوا فيها، وأضافوا إليها الجديد، ونقلتها عنهم آنذاك الأمم الحية، والعلم لا يتأتى إلا بتحصيل متقن، ولا يبرع في التحصيل إلا الأذكياء المبدعون، والاهتمام بهم والعناية بأحوالهم حين الدرس، وتمكينهم بعد التخرج أن يعملوا بما علموا في معامل الأبحاث وإعطائهم ما يستحقون، كل هذا هو ما يصنع للأمة المجد، فما تقدمت الأمم إلا عبر هؤلاء، الذين نبغوا في كل علم، فأبدعوا واخترعوا، فبناة الحضارة المعاصرة، التي ينعم الناس اليوم بثمارها اليافعة، هم هؤلاء المبدعون، لهذا قاس العالم تقدم الأمم بمقدار ما تنفقه على البحوث العلمية، وبعدد المراكز العلمية في بلادها، وها نحن ننظر حولنا فلا نجد التقدم إلا في الأمم التي وعت هذه الحقيقة، وانفقت على البحث العلمي بسخاء، واعتنت بالنابهين من أبنائها، وفي شرقنا العربي لا نزال نراوح مكاننا، فدور العلم عندنا غالبها تعلم العلوم النظرية، وإذا علمت بعض العلوم التقنية لم توفر لها المعامل الحديثة التي تساعد النابهين من دارسيها للإلمام بهذه التقنية بالصورة التي تمكنهم من أن يبدعوا فيها، ولهذا فنحن في ذيل ركب الأمم التي تبني حضارة العصر، وبيننا وبين دولها المتقدمة بون شاسع، ولنتدارك هذا الخطأ لابد أن نعيد النظر في خطط تعليمنا وبرامجه ومناهجه ثم مقرراته الدراسية، وطريقة إعداد مدرسيه بدءاً من التعليم العام وانتهاء بالجامعي، فمن المفارقات العجيبة أن نجد في دولنا من الجامعات العدد الوفير، ونبحث عن التأثير فلا نجد إلا أثراً ضئيلاً، وكثير من دول العالم المتقدم اليوم عدد جامعاتها قليلة أحياناً تعد على أصابع اليد الواحدة، ولكنها كافية وأثرها في نهضته عظيم، ونحن لا نزال في بلداننا نهتم بالعدد فنتوسع في فتح الجامعات، ونحن نعلم أن مستواها بالنسبة لجامعات العالم المتقدم متدن حقاً، ولم نحاول الإصلاح أبداً، ولم نتطور نحو الاعتماد على مراكز الأبحاث المؤهلة للتقدم، ولم نعد لها من العلماء من هم جديرون بالعمل فيها، فليست مراكز الأبحاث مجرد مبان فخمة وموظفين أنيقي الملابس، وكل ما يخرج منها أشبه بدراسات نظرية لم تعتمد على تجربة فعلية، ولم تعطِ نتائج يمكن قياسها، فلا نزال في أوطاننا حتى اليوم نعاني الضعف العلمي، الذي انتج ضعفاً في جلّ نواحي الحياة في بلادنا، فليس لنا صناعة قوية منافسة، وليس لنا صناعة سلاح نعتمد عليها في تسليح جيوشنا للدفاع عن أوطاننا، بل إننا في الخدمات الطبية لا نزال نحبو، فنحن نعتمد في جميع تقنياتنا على غيرنا، وفي صناعة الدواء إنما نروج بضاعة لم نصنعها، نستورد مادتها الخام وتقنية التصنيع، وفي كثير من بلداننا نستورد العامل أيضاً الذي يتعامل مع هذه التقنية، وغالب ما نستعمله في حياتنا مستورد من خارج أوطاننا، وهذا ولا شك يخيف العقلاء منا، حيث نعيش على هامش هذا العالم المتطور العظيم التنافس بين مكوناته، وهذا ما يدعوهم أن يرفعوا الصوت ويحذروا أنه لم يبق لنا من الزمن الكثير، فإما أن نجد الطريق إلى التقدم عبر نهضة شاملة وسريعة، ولو تحملنا في سبيل ذلك الكثير من الصدمات، وإما أن نبقى وراء الصفوف، نلوك بألسنتنا دعوى تميز لنا في الماضي الذي لم يعد له وجود، وأحوالنا كل يوم تتراجع بسبب هذا التخلف العلمي، وهذا هو الاضطراب يغزو الكثير من مجتمعاتنا، وكثير منها يتعرض لمزيد من الأخطار، ولن ندرأ هذه الأخطار إلا بعلم ودراية بحضارة العصر فهل نفعل؟!! هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.عبدالله فراج الشريفص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043Alshareef_2005@yahoo.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store