ففي الوقت الذي كانت ثروات الأرض، والعنصر البشري، ورأس المال هي العوامل الثلاثة الرئيسة للإنتاج في الاقتصاد القديم والذي كان يسمى بـ(اقتصاد الطبيعة)، أصبحت الأصول المهمة في الاقتصاد في وقتنا الحاضر هي المعرفة، والإبداع، والابتكار، والذكاء، والمعلومات وأضحى الذكاء في برامج الكومبيوتر والتكنولوجيا عبر نطاق واسع من المنتجات له أهمية تفوق أهمية رأس المال، أو الموارد الطبيعية التي تجود بها الأرض.
وبالنظر في عمق التاريخ البشري، يظهر لنا جلياً أن ما نحن فيه من انفجار معرفي داخل المجتمع ما هو إلا نتيجة تاريخية للتحولات التطويرية الذي شهدها عبر عقود من الزمن أدت إلى تحوله من مجتمع تقليدي إلى مجتمع عصري يعتمد على العقل وما ينتجه من معرفة.
وبتتبع المسار التاريخي للمجتمع البشري عبر عقود طويلة من الزمن يبيِّن لنا أن مراحل تطوره قسمت على ضوء ما ميز كل مرحلة وما مرت بها من أحداث بارزة طغت على المراحل الرئيسة لها، فعندما طغى الجليد على شكل الحياة في بداية الحياة وصف ذلك العصر بـ(العصر الجليدي)، وبعدها عصر(التوابل)، وعندما اكتشفت المعادن وشكلت عصب الحياة على مدى الألفية الثانية اصطلح على تسمية تلك الفترة بـ(عصر المعادن أو البرونز).. وبعد اكتشاف النفط سمي (بعصر النفط) وهكذا لبقية العصور.
وبالنطر لكل العصور نجد أن العصر البشري هو الأساس في التطور البشري باستخدامه العقل والتفكير، لذلك نشهد ما تقدمه معامل ومختبرات الجامعات والمؤسسات التعليمية وأودية التقنية من أبحاث ابتكارية وبراءات اختراع تحول لمنتجات، والدليل أن ما جعل الولايات المتحدة قوة عظمى هو صادراتها للخارج والذي مثل ما نسبته 80% منها من بنات أفكار عقول علمائها ومفكريها في جامعاتها العظيمة.. وقد قيل قديماً: (من ملك التوابل في القرن الثامن عشر ملك العالم ومن ملك النفط في القرن العشرين ملك العالم ومن سيملك المعرفة في أيامنا هذه حتماً سيملك العالم).