Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

في البحر.. شاب يبكي أباه!!

A A
قبل رمضان بيومين أو ثلاثة ذهبت إلى كورنيش جدة الجديد وأمضيت وقتًا في السقالة التي تمتد الى داخل البحر الموسوم بـ»زرقة اللون»، والزرقة كما يقول الأستاذ هاشم الجحدلي هي الحل، وجلست متأملاً ما خلق الله ما بين السماء والأرض من طيور وما في داخل البحر من أسماك وشعب مرجانية والتقطت بعض الصور للبحر وما في داخله من مكونات بحرية وما في خارجه من مناظر طبيعية.

وأنا على حالي تلك وقف بجواري شاب سعودي يرتدي ملابس رياضية وشعره غزير وناعم ووجهه وجه طفل بريء يحمل سنارة صيد للسمك يقذف بها الى البحر ثم يحاول سحب الخيط بالمقبض ليرى ما عادت عليه السنارة من صيد، فصاد شيئًا ليس ذا قيمة إلى أن تعب فارتمى بالمقعد الذي بجواري مسلمًا عليّ ليتجاذب أطراف الحديث معي معرفًا نفسه بأنه طالب جامعي في كلية طبية، سألني وانت ياعم أين تعمل؟ فقلت له أستاذ في الجامعة، وتحدث معي حديثًا حول الحياة وبعدها اقترب مني أكثر وكأنه يتلمس شيئًا يفقده أو كمن يبحث عن روح تضمه وتحضنه يشعرك أن قلبه فيه شيء يشكو منه ويحزنه، وكان مما قاله أتمنى يا دكتور حاجة واحدة فقط في الحياة، قلت له ماهي؟ قال أن يعود أبي للحياة فأخبره ماذا فعل بي غيابه عني، فعلمت أن قلبه موجوع بفقد أبيه، قلت له متى توفي أبوك؟ قال وأنا في الصف الثالث الثانوي، فنهض فجأة بعد شيء من الحديث اليسير معه ليقبل رأسي ويبكي قائلا: حديثك معي ذكرني بطريقة أبي في الحديث، وأخذت دموعه تتقاطر، ثم تحدث عن جانب مهم، على كل شاب أن يسمعه منه ويعيه حيث قال «كنت في بداية الحياة أي في سن الخامسة لا أرى في الدنيا أحدًا مثل أبي وما أن بلغت العاشرة حتى تأرجح قلبي بين حب أبي والى التساؤل لماذا يضيق علي أبي في بعض الأمور، ثم في المرحلة المتوسطة بدأت اتخذ من أبي مواقف سلبية فيها شيء من العنترية وأنظر إلى أنني شاب ووالدي يتعمد عدم مسايرتي لمتطلبات العصر بل كنت أصفه بأنه لا يفهم جيلنا وما نحن فيه من تقدم، وما أن وصلت المرحلة الثانوية حتى بدأت قوتي وزهوي بشبابي يزداد وأنظر إلى ما يقوم به أبي نحوي الى أنها مجرد ارشادات وتصرفات سلبية وأنه يريد فقط أن يعترض على آرائي كشاب وأحيانًا تصبح المناقشة بيننا أكثر حدة، حتى توفي والدي ورحل عني فلم أحس في البداية بفقده، لكن بعد ذلك شعرت أن الجدار الذي كنت أستند اليه قد تهاوى وماهي إلا أيام وبدأت أواجه الحياة بكل متطلباتها وأواجه فقدان الأحاسيس والمشاعر بل الدفء الذي كان يملأ البيت حنانًا وعطفًا، وأتمنى عودته لو يومًا واحدًا فقط لأعتذر اليه وأخبره فقط انني كنت لا أفهم ولا أدرك وكنت أتصرف نحوه بجهل مني في قيمته، كم كان يادكتور أبي لطيفًا وحريصًا على مصلحتي وله بعد نظر في تربيتنا».

تلكم هي قصة الشاب الذي يبكي على ضفاف البحر أباه، فمن عنده أب فإنه يملك جبلا من ذهب، ومهما قسى عليك والدك يظل هو من يعرف مصلحتك وحريص على ما يفيدك في الحياة، عش في ظله سيدًا ولا تجعلك الأيام تفقده فتفقد البوصلة في الحياة وتظل تبحث عنه ويقال لك «الأب مر من هنا» وهو عنوان مقال كتبته سابقًا.. عودوا إليه فإن فيه مشاعر أب أضاعه أبناؤه وبناته.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store