Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

السيدة «أم كلثوم».. أول من دخل الامتحان

A A
لم أقرأ عن أي امرأة من أهل مكة صادفت أتعابًا في حياتها كشابة مثل الصحابية الجليلة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، لقد كانت تتألم كون والدها أشد رجل أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تسمع عن هذه الأذية وهي فتاة صغيرة في سن المراهقة حيث علمت أن أباها من وضع سلا الجزور (أمعاء الخروف) على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بجوار الكعبة في الوقت الذي كانت تسمع عن أمانة محمد وصدقه وأخلاقه ودينه الجديد وكانت تنظر إلى محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به أنه حق من عند الله مما جعلها تؤمن بدينه وتدخل الإسلام وهي في مقتبل عمرها الشبابي وكتمت إيمانها وكان تتلظى كبدها حسرة عندما منعتها ظروفها العائلية من أن تهاجر مع من هاجر إلى المدينة المنورة، وتلاحقت عليها الأحداث وسمعت أن والدها ذهب لقتال محمد في معركة بدر وهي لا تتجاوز السابعة عشر من عمرها، ولما علمت بانتصار المسلمين في معركة بدر زادها ذلك إصرارًا على أن خيارها الأول هو اتباع دين محمد (الإسلام) وظلت على حالها تلك مسلمة تكتم إيمانها ولا يعلم أحد بإسلامها.
وبعد مقتل أبيها في معركة بدر توافد شبان من شباب مكة يخطبونها وكانت في كل مرة ترفض بدعوى أنها حزينة على مقتل أبيها إلا أن حقيقة رفضها بسبب ما عليه هي من دين يغاير دين من يتقدم إليها من الكفار، وتتابعت الأحداث عليها وحرق كبدها ما جاء في معاهدة صلح الحديبة من أن من يأتي محمدًا من مكة مسلمًا فعليه أن يعيده الرسول إلى الكفار ولا يقبله، وهذا الشرط كان شرطًا قاسيًا على الرجال من الصحابة الذين أسلموا في مكة وبقوا هناك ولم يستطيعوا الهجرة فكيف بالله يكون وقعه على النساء؟ خاصة منهن اللائي يصلن إلى المدينة المنورة بعد كل تعب وعناء ثم يكون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرجاعهن إلى أهلهن في مكة، لاشك أنه شرط في غاية الصعوبة ومع هذا قررت ألا تبقى بين أظهر المشركين من بني قومها، وفي نفس الوقت اشتاقت لرسول الله والصحابيات اللائي كن معها في مكة فعزمت ذات يوم على الرحيل والهجرة قاصدة الله ورسوله ورزقها الله رجلا من خزاعة يدلها على الطريق وكان دليلها إلى أن وصلت إلى حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملة معها دينها وايمانها وكانت هجرتها في وقت سريان المعاهدة بين رسول الله وقريش فعند وصولها قصدت دار أم سلمة صديقتها من مكة لتدخلها على رسول الله وتخبره أمرها وفعلت أم سلمة ذلك وهنا احتار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرها فَلَو قبلها كان ذلك نقضًا للمعاهدة ولو رفضها بعد هذا التعب أمر ليس سهلا، ورأى الصحابة ابقاءها وعدم ارجاعها للمشركين وطلبوا من رسول الله ألا يعيدها الا أن رسول الله تريث في أمرها ينتظر توجيه ربه في شأنها وكان الله معها وفي صفها وأنزل بشأنها قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة ووجه الله رسوله بأن يكون لها ولجميع المهاجرات استثناءً من ذلك الشرط وهو أن يمتحن الرسول صلى الله عليه وسلم إيمانهن فإن تتحقق من ذلك صدق الإيمان فالواجب قبولهن وعدم إرجاعهن إلى الكفار فكانت أم كلثوم رضي الله عنها أول من دخل الامتحان وسميت سورة كاملة بـ(الممتحنة) وكانت هي ذات الشأن ونزل قوله تعإلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة الممتحنة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store