Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

عندما يظلم القانون المرأة عالميا!!

A A
القانون هو الذي يضع القواعِد التي تُحدّد حقوق الأفراد وواجباتِهم، ويضع الجزاء المُناسب في حال مُخالفة تلك القواعِد والأُسس، حيث تتغير تلك القواعد باستمرار؛ تبعًا للتطوُّرات التي تحدث في المجتمعات. معروف أنّ القانون يحفظ الحقوق والالتزامات وينظمّها بين أفراد المجتمع، ولا يمكن للمُجتمع العيش بِنجاح إذا كان أفراده لا يخضعون لِقوانين تحكمهم.

ولكن عندما يظلم القانون المرأة التي تتعرّض لاغتصاب، بتزويجها من مغتصبها، أو تُقتل من قبل أبيها أو أخيها أو ابن عمها لمجرد الشك في سلامة سلوكها، ولا يعاقب القانون من يقتلها، فهذا أكبر ظلم للمرأة!.

ولقد بدأ قانون تزويج المُغتصبة من مغتصبها مقابل إسقاط العقوبة عنه في أوروبا في العصور الوسطى؛ إذ كان يمكن لرجل أن يغتصب امرأة، ومن ثم تُجبر على الزواج من مغتصبها، بدعوى أنّها أصبحت «سلعة مدمرة»، وذلك من منطلق نظرتهم إليها كسلعة، وليست كإنسانة.

وممّا يجدر التنبيه إليه أنّ حال المرأة الأوروبية والأمريكية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين كان مزريًا، فالمرأة في بعض المجتمعات الغربية كانت محرومة من حق التعليم والتجارة، والمشاركة العامة أو التصويت، ولم تبدأ ملامح التغير إلّا منذ منتصف القرن الماضي.. ومع هذا، تبنّت العديد من البلاد العربية -منها مصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان والعراق- كثير من القوانين الغربية في مرحلة ما، بعد المرحلة الاستعمارية في منتصف القرن العشرين، والتي منها قانون تزويج المُغتصبة من مغتصبها مقابل الإعفاء من العقوبة. ثم ألغت تلك الدول المادة المتعلقة بتزويج المُغتصبة من مغتصبها من قوانين عقوباتها، باستثناء العراق، وتعلو الأصوات هذه الأيام بإلغائها.. حيث تشير المادة (393) من قانون العقوبات العراقي إلى العقوبة: «بالحبس المؤبد أو المؤقت» بحق كل مَن واقع أنثى بغير رضاها، وتُعتبر الجريمة مشددة في حال كانت الضحية غير بالغة لـ (18 عامًا)، أو إذا كان الجاني من أقارب الضحية أو متولي تربيتها، أو مَن كان له سلطة عليها.

وهذه القوانين، نظرت إلى المُغتصبة نظرة نابليون بونابرت لها، أنّها مجرد آلة للإنجاب لا أحاسيس لها، فتُجبر على الزواج من مغتصبها، وإلّا تُقتل من قبل أهلها غسلًا للعار، حتى أن بعض المُغتصبات قد انتحرن بعد إجبارهن على الزواج من مغتصبيهن، ففي المغرب ساهمت حادثة انتحار أمينة الفيلالي، التي اغتُصِبَت وأُجبرت على الزواج من مغتصبها بموجب قرار قضائي، وانتحرت على إثرها، في إلغاء المادة (475) من قانون العقوبات عام 2014م.

فهذا القانون، يُشجّع على الاغتصاب، طالما يعفي المُغتصب من العقوبة.. ويدفع الذي رُفِضَ تزويجه، باغتصاب مَن رفضته، ليُرغمها ويُرغم أهلها على تزويجه بها.. وبعض المُشرِّعين العرب قد استنسخوا هذه المادة من قوانين أوروبية، ففرنسا التي كان شعار ثورتها عام 1789 «حرية وإخاء ومساواة»، يقول قائدها نابليون بونابرت: «النساء ليست سوى آلات لإنتاج الأطفال».. فهو ينظر إلى المرأة كآلة وليست إنسانا.. وقد نصت المادة (214) على بيت الطاعة، الذي يلزم الزوجة -بقوة الشرطة- للعيش في بيت الزوجية الذي يُحدِّده الزوج، وقد طبَّقته بعض البلاد العربية التي استنسخت القانون الفرنسي، ونسبه البعض إلى الإسلام، والإسلام لا يُجبر المرأة أن تعيش مع زوج تكره العيش معه، يُوضح هذا قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).. وقد تأثر القانونين المغربي واللبناني بالقانون الفرنسي الذي لا يُعطي المرأة أهلية التصرف في مالها أو الاتجار إذا كانت متزوجة، دون إجازة من الزوج، ولكن مدونة الأحوال الشخصية المغربية الصادرة عام 2004م أعطت المرأة الذمة المالية المستقلة في المادة (49) بنصّها: «لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها».

ونجد الفقرة الثانية للمادة (58) من قانون الأحوال الشخصية الموريتاني أعطى للزوج مراقبة تصرفات زوجته في أموالها، إذا تبرعت بما زاد على ثلث مالها كما في النص الفرنسي.. والمرأة في لبنان مازالت تعاني من اضطهاد وتمييز ذلك القانون المستنسخ من مرجعيات غربية قديمة، وأصبح يثقل كاهلها بالظلم الواقع عليها في شؤون الولاية والحضانة والطلاق.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ترك بعض المشرِّعين العرب، الشريعة الإسلامية، التي احترمت آدمية المرأة وأهليتها، ومنحتها حق التصرف في مالها، ولم تُلزم المُغتصبة بالزواج من مغتصبها، ولم تَعفِ المُغتصِب من عقوبة الاغتصاب مقابل زواجه من مُغتصِبِها، ويأخذون بقوانين غربية لا تمت للإسلام بصلة؟.

إلى متى ستظل المرأة هي الجانية، رغم أنها هي المجني عليها؟، وإلى متى سيظل الرجل رغم أنّه الجاني يُعفى من عقوبة جنايته التي تتحمّلها المجني عليها؟، وإلى متى ستظل تلك المجتمعات ظالمة للمرأة، ولم تُنصفها ممَّن دمّر حياتها؟!.

على المجتمعات العربية الوقوف مع المُغتصبة في محنتها حتى تتجاوزها، ومن مكارم الأخلاق أن يتحمَّس الشباب للزواج بمَن اغتُصِبَت تخفيفًا عنها، وتعويضًا لها عمّا فقدته.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store