تعتبر الرسوم الصخرية مصدرًا مهمًّا من مصادر دراسة تاريخ حضارات المجتمعات في الجزيرة العربية؛ حيث يتضح من خلالها تاريخ تلك المجتمعات ونشاطهم، وثقافتهم، ومستواهم الفكري، وتفاعلهم وتكيفهم مع البيئة..
والغاية من دراسة هذه الرسوم فهم حياة تلك المجتمعات على اختلاف أوضاعها «الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية»؛ إذ تمثل هذه الرسومات الأسس الأولى لفكرة الكتابة والرسم، ودراستها تعكس التغيرات والتطورات التي طرأت في تاريخ الجزيرة العربية وحضاراتها، وكيف تعامل الإنسان القديم مع البيئة.. ويعود تاريخ أقدم رسم صخري في الجزيرة العربية للفترة ما بين الألف الخامس والثاني قبل الميلاد، ومعظم هذه الرسوم موجودة على الطرق التجارية.
ومن الرسوم الصخرية تطورت الرسوم الجدارية، التي صورت حياة المجتمعات أيضًا؛ إذ بمرور الوقت وتقدم فكر الإنسان تطور الرسم الجداري، وبرز العديد من الفنانين لممارسة هذا الفن، إضافة إلى أن الهدف من هذه الرسوم تبدل مع مرور الوقت؛ إذ تحول من وسيلة للتعبير والتنفيس، إلى مهنة وهواية لاقت اهتمام تلك المجتمعات، وذلك من خلال تزيين المنازل والمجالس مع استخدام الألوان؛ لإبراز جمالها بخلاف الرسوم الصخرية.
وفي السياق ذاته، فإن «قرية الفاو ٤ق.م - ٤م» التي عثر فيها على ما يقارب ١٧ لوحة جدارية تتضمَّن رسومات متنوعة، تصور لنا حياة إنسان تلك الفترة من التاريخ، فعبَّرت عما في داخله من مشاعر وتخيُلات وحقيقة، انعكست في تلك اللوحات التي وجدت داخل المنازل، من خلال رسمها بشكل قريب من الواقع، ومازال الفنان إلى اليوم يعبر عما في داخله بواسطة الرسم. ويجب أن ننبه إلى أن القط العسيري والزخارف النجدية المتمثلة في الأبواب والنوافذ وغيرها من عناصر التراث الثقافي غير المادي المنتشر في كافة أرجاء المملكة تقدم دلالة واضحة على التعدد والتفرد الثقافي والحضاري للمنطقة؛ حيث يمثل كل عنصر من عناصر هذا التراث العريق الحياة الاجتماعية بمختلف مجالاتها، واحتياجاتها الإنسانية في الصناعة والفنون والعادات والتقاليد، وأدق تفاصيل الحياة اليومية، فهو أحد ركائز الهوية الوطنية، ويعد الوعاء الذي تستمد منه العادات والتقاليد والقيم الأصيلة.
نقترح اليوم بعمل نسخ لهذه الرسوم الصخرية والجدارية، ووضعها في متاحف تخصصية؛ ليتسنى وصولها لأكبر قدر من الجمهور محليًا، وإقليميًا، ودوليًا؛ كونها تحكي قصص وحياة تلك الشعوب والمجتمعات التي سكنت المنطقة.
مجملًا، تقدم هذه الرسوم جانبًا مهمًّا من العمق الحضاري والثقافي للمنطقة.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
