Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

قراءة تأملية لدلالات كلمة ولي العهد في قمة جدة

A A
إن كلمة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قمة جدة، التي رأسها باعتبار المملكة الدولة المضيفة؛ تحمل دلالات مهمة، لابد من تسليط الضوء عليها.

أولًا: اجتمع الرئيس بايدن بالأمير محمد بن سلمان اجتماعًا ثنائيًا يوم وصوله جدة، بعد اجتماعه الأول بخادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقد ترأَّس ولي العهد مؤتمر جدة بحضور ملوك ورؤساء وأمراء (9) دول كان الرئيس بايدن أحدهم، في حين أن الرئيس بايدن قَدِم إلى المملكة وفي جعبته القانون الذي اقترحه الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي، بإقامة نظام دفاع صاروخي لدمج الدفاع الجوي بين إسرائيل ودول عربية، وحسب المصادر، (صحيفة وول ستريت جورنال)، إنّ الاقتراح يهدف إلى حث هذه الدول العربية وإسرائيل على تنسيق أفضل عبر المنطقة، وكان من ضمن ما سيُطَالِب به «بايدن» السعودية، أن تُطبِّع العلاقات مع إسرائيل، ليسهل التواصل المباشر بينها وبين الإسرائيليين فيما يتعلق بالنظام الدفاعي الصاروخي لدمج الدفاع الجوي بين إسرائيل والدول العربية المعنية بقيادة واشنطن، لمواجهة الهجمات الإيرانية في الشرق الأوسط.. وسيعتمد النظام على استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية، التي قد تكتسب قوة دافعة خلال رحلة بايدن لإسرائيل وفلسطين والسعودية، لتعزيز التعاون الدفاعي بين إسرائيل والشرق الأوسط.. ويستهدف هذا القانون في المقام الأول حماية أمن إسرائيل، وجعل أراضي الدول العربية، الداخلة في هذا التحالف، ساحات للقتال المباشر مع إيران، وفي مقدمتها السعودية، حمايةً لإسرائيل من الضربات الإيرانية، ونصبح نحن –كدولٍ عربية- تحت السيادة الأمريكية والإسرائيلية، أي يُريدون مِنَّا أن نُفرِّط في سيادتنا واستقلالنا وأمننا، ويعم القتل والدمار بلادنا العربية، وقد أُشير إلى هذا التحالف في إعلان القدس؛ إذ جاء فيه: «الولايات المتحدة الأمريكية، ملتزمة بمواصلة لعب دور نشط، بما في ذلك ما سيُطرح في زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة، لبناء هيكل إقليمي قوي؛ تعميقاً للعلاقات بين إسرائيل وجميع شركائها الإقليميين، لدفع التكامل الإقليمي لإسرائيل، وتوسيع دائرة السلام لتشمل المزيد من الدول العربية والإسلامية». ولعل بيان قمّة جدة رصد تحوُّلاً في الموقف الأمريكي عمَّا كان مخططاً له؛ من قِبَل الولايات المتحدة بشكلٍ واضح.

ثانيًا: الرسالة التي وجّهها ولي العهد في كلمته إلى الرئيس بايدن وإدارته، أنّه إن كانت هناك أولويات حماية أمن إسرائيل، فهناك ما هو أهم وأشمل، وهو احترام سيادة الدول وقيمها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مبيِّنًا أنّ التحديات الكبرى التي تعرَّض لها العالم مؤخرًا بسبب كوفيد 19، والأوضاع الجيوسياسية، تستدعي مزيدًا من تضافر الجهود الدولية لتعافي الاقتصاد العالمي، وتحقيق الأمن الغذائي والصحي.. وبهذه البداية وجّه ولي العهد -بتنسيق مع القادة العرب المشاركين في القمة- بوصلة القمة إلى وجهة؛ غير الوجهة التي خطّطت لها الإدارتيْن الأمريكية والإسرائيلية، وتجلَّى هذا بوضوح في بيان القمة.

ثالثًا: نلاحظ أنّ سموه بدأ بالتحديات البيئية التي يُواجهها العالم، وعلى رأسها التغيُّر المناخي، وعزم المجتمع الدولي على إبقاء درجة حرارة الأرض وفق المستويات التي حددتها اتفاقية باريس، ما يقتضي التعامل معها بواقعية ومسؤولية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تبني نهج متوازن، وانتقال متدرج ومسؤول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة، يأخذ في الحسبان ظروف وأولويات كل دولة، مُركِّزًا على أنّ إقصاء مصادر طاقة رئيسة دون مراعاة الأثر الناتج عن هذه السياسات في الركائز الاجتماعية والاقتصادية للتنمية المستدامة وسلاسل الإمداد العالمية؛ سيؤدي في السنوات القادمة إلى تضخم غير معهود؛ وارتفاع في أسعار الطاقة، وزيادة البطالة، وتفاقم مشكلات اجتماعية وأمنية خطيرة؛ بما في ذلك تزايد الفقر والمجاعات، وتصاعد الجرائم والتطرف والإرهاب؛ لذلك أكَّد في كلمته على أنَّ النمو الاقتصادي العالمي يرتبط بالاستفادة من جميع مصادر الطاقة المتوفرة في العالم، بما فيها الهيدروكربونية، مع التحكم في انبعاثاتها من خلال التقنيات النظيفة، مما يُعزِّز إمكانية وصول العالم إلى الحياد الصفري في عام 2050 أو ما قبلها. ولذلك تبنت المملكة نهجًا متوازنًا للحياد الصفري لانبعاثات الكربون؛ باتباع نهج اقتصادي دائم للكربون، بما يتوافق مع خططها التنموية بتمكين تنوعها الاقتصادي دون تأثير في النمو وسلاسل الإمداد، مع تطور التقنيات بمشاركة عالمية لمعالجة الانبعاثات من خلال مبادرتي السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر لدعم تلك الجهود المحلية والإقليمية؛ ولذلك ستقوم المملكة بدورها في هذا المجال بإعلان زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميًا، وبعد ذلك لن يكون لديها قدرة إضافية لزيادة الإنتاج.

رابعًا: تطرق سموه إلى القضايا الإقليمية التي تهم دول المنطقة، وبدأ بدعوة إيران كدولةٍ جارة -يربطنا بشعبها روابط دينية وثقافية- إلى التعاون مع دول المنطقة، والتي تكون جزءا من هذه الرؤية من خلال الالتزام بالمادة الشرعية الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والوفاء بالتزاماتها في هذا الشأن. وفي هذا رَفْضٌ واضح لما تردد عن القانون الأمريكي الإسرائيلي بإقامة نظام دفاع صاروخي لدمج الدفاع الجوي بين إسرائيل ودول عربية لمواجهة الخطر الإيراني، فنحن لن نتحالف مع إسرائيل أو أمريكا ضد أي دولة، ولاسيما ضد دولة جارة كإيران.

خامسًا: تحدّث سموه عن دعم المملكة للجهود الرامية للوصول لحل سياسي يمني-يمني، وفقًا للمرجعيات الثلاث. كما بذلت المملكة مساعيها لتثبيت الهدنة الحالية، وستستمر في توفير المساعدات الإنسانية للشعب اليمني.

سادسًا: بيّن سموه أنّ اكتمال منظومة الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة يتطلب إيجاد حل عاجل وشامل للقضية الفلسطينية، وللأزمات الأخرى لاسيما في سوريا وليبيا، بما يكفل إنهاء معاناة شعوبها، مع إشادته باتفاقية الربط الكهربائي بين المملكة والعراق، وكذلك مع دول مجلس التعاون، بما يسهم في توفير حاجة العراق من الكهرباء، كما نوَّه بمشاريع الربط الكهربائي الجاري تنفيذها بين المملكة وكلٍ من مصر والأردن.

سابعا وأخيرًا: أكَّد سموه على أنّنا في المملكة نحترم حقوق الإنسان، وهي قيمة تقليدية للمملكة وأساس معتقداتنا الإسلامية وتراثنا العربي، وأنّه من المهم نشر القيم من خلال الحوار، وليس بفرض قِيَمك؛ لأنّها سوف تُقابل برد فعل سلبي، والطريقة الصحيحة لطرح قِيَمك، هي أن تُظهر للعالم أنّك تحترم قِيَم غيرك.

وفي النهاية، نلاحظ الندية في الحوار، وقوة حجة ولي العهد السعودي، وجرأته في الحق.. مما يجعل شعبنا يفخر بهذا القائد الشاب الذي منحه الثقة والشرعية بمبايعته وليًا للعهد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store