Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

(وإن يسلبهم الذباب شيئاً)!!

A A
يتجلّى إعجازٌ علميٌ كبيرٌ في الآية رقم ٧٣ من سورة الحجّ، ممّا يفقهه بعضُ النّاس ولا يفقهه بعضهم الآخر، شأنها شأن كلّ آية في القرآن الكريم، بل شأن كلّ كلمة فيه وحرف.

والآية المقصودة هي (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).

وهذه الذُبابة الحقيرة، التي لا تكاد تَزِنُ شيئاً، لديها أجهزة عضوية وسمعية وبصرية واستشعارية معقّدة للغاية، ولئن اجتمعت الجنّ والإنس منذ بدء الخليقة بعلمائهم وسفهائهم ما قَدِرُوا على خلْق ذُبابة واحدة فقط، ومع الزمن يكتشف العلم أشياء أخرى مُذْهِلَة عنها، ومن ذلك أنّ لديها ذاكرة لا تتجاوز مُدّتها بضع ثواني، وهذا يُفسّر تكرار وقوعها على جسم الإنسان مرّةً تلو مرّة رغم محاولته قتلها وفرارها منه، فلا تتذكّر هي محاولة القتل الفاشلة بل تتذكّر ما تريد سلبه منه، وهذا السلْب وصْف إلهي ثبت علمياً أنّه الأدقّ في وصف ما يجري عند وقوع الذُبابة على الطعام مثلاً، إذ لا يمرّ الطعام الضئيل الذي تسلبه في عمليات هضمية تجعله يبقى داخل جسمها إلى حين، بل يمتصّه جسمها على الفور، فلا يستطيع الإنسان مهما بلغ من قُدرة على استنقاذ ما سلبته منه الذُبابة، حتّى لو وضعها في زنزانة وأجرى تحقيقاً بوليسياً معها وتشريحاً طبياً لاستخراج ما سلبته، فهما معاً، الإنسان الطالب والذُبابة المطلوبة، ضعيف وضعيفة.

والذُبابة تسلب كذلك صحّة الإنسان بجراثيمها المُسبّبة للأمراض، وتسلب راحته وسكينته فيما لو حامت حوله مثل الصواريخ تُريد أنّ تحطّ عليه بصوتها المزعج، فلا جرم أنّها ماهرة في السلْب ومفطورة عليه ليتمّ الامتحان الإلهي بها لمخلوقاته الأخرى وعلى رأسها الإنسان المغرور.

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، وختمت كلامها المُباح، بسرْد قصّة الخليفة العبّاسي أبو جعفر المنصور حين انزعج من ذُبابة تُكرّر الوقوع على أنفه وهو يطردها، فتعود له من جديد، فسأل أحد علمائه: لماذا خلق الله الذُباب؟ فردّ عليه هذا الأخير: لِيُذِلّ به أنوف الجبابرة، ولله في خلقه شئون، وسبحان الله العظيم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store