Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

«إليزابيث» والرحيل الفكتوري

A A
جاء في صحيح البخاري أنه مرت أمام النبي صلى الله عليه وسلم جنازة ليهودي فقام النبي صلى الله عليه وسلم لما رأها فقال له بعض الصحابة: إنها جنازة يهودي يا رسول الله قال رسول الرحمة عليه السلام: أليست نفسًا؟!وعند كلمة نفس تقف كل الأنفس احترامًا لها لقوله سبحانه وتعالى (فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا) وأخذ العبرة من أي حدث هو خلاصة ذلك الحدث، فالموت فيه عبرة لأنه مصير وعودة الأحياء -جميع الأحياء- حيث أن الله سبحانه وتعالى أمر ملك الموت بقبض روح كل انسان ولا يفرق في ذلك بين كافر أو مسلم، يهودي أو نصراني، صغير أو كبير، مريض أو صحيح، غني أو فقير، وزير أو غفير (إلى الله مرجعكم جميعًا) فتذكرة الإقلاع (الحياة) منذ الولادة مرفق بها تذكرة الموت (العودة) (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).

إن التحليل البيولوجي الكيميائي لجسد أي إنسان يكشف عن تمثيل عناصر الأرض المختلفة في العينة الإنسانية مما يمكن القول معه بأن الإنسان عبارة عن كرة أرضية في شكلها القزمي (عينة) تتحرك على سطح الأرض ثم تنام في آخر مشوارها (عند الموت) في أحضان أمها (الأرض) تحقيقًا لقوله تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) سورة طه.

حضرت في بريطانيا عدة جنائز لمسلمين وغير مسلمين ومررت على عدة مقابر لأن هناك المقابر مفتوحة ومبسوطة في أرضهم الخضراء ومكتوب على كل قبر اسم صاحبه وتاريخ دفنه والعجيب أن بريطانيا اليوم توشك أن تكون بدون مقابر جديدة ذلك أن المجتمع الإنجليزي استبدل في التعامل مع موتاه بطريقة الدفن طريقة الحرق، وفي المعظم يرى أن طريقة تخلصه السريع من الموتى هي الحرق.وأوضح مدير شركة الحرق في مدينة مانشستر أندرو هيلسبي أن نسبة حرق جثث الموتى تزداد والإقبال عليها كبير جدًا، وعندما سئل عن سبب ذلك قال يعود لارتفاع أسعار تكلفة المقابر وما يصحب تجهيز الموتى من احتفاءات مكلفة كذلك بالإضافة إلى تباعد الأسر والعوائل وعدم إعطاء الاهتمام الواجب نحو موتاهم فيعمدون إلى أسهل الطرق للتخلص من الميت خاصة في المستشفيات إن لم يعد هناك أحد يسأل عنهم ولا يزال هناك عوائل وأسر كثيرة تحافظ على النمط التقليدي في الدفن دون الحرق.

لقد عاشت الملكة اليزابيث عمرًا طويلاً وها هي اليوم تودع الحياة ولقد لفتت في موتها أنظار العالم ذلك أنها عاصرت رؤساء وحكام ودوّل وكان لها تاريخ في بريطانيا وخارجها ومما لفت النظر فِي حياتها أنها كانت محافظة على الأعراف والتقاليد الإنجليزية في كل شيء، واليوم وقد ودعت الحياة فإن توديعها بلا شك سيكون توديعًا فكتوريًا بكل ما تدل عليه الكلمة من معنى ويكفي أن بقاءها لمدة عشرة أيام بعد موتها حتى يتم تجهيزها إنما هو على ذات النمط الفكتوري من التوديع لتدفن مع زوجها الذي توفي قبل أكثر من عام ليعودا لأصلهما الترابي (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store