لم يعد هناك متسع في عصر العلم ودقة نتائجه وتجاربه أن تكون الكلمة للجهل والجهلاء وغير أهل الاختصاص، وليس هناك اليوم في العالم الكشكول الذي يقبل منه الفتوى في كل مجلات العلوم لأنه يقوم على كل تخصص دقيق فطاحلة من العلماء، لذلك فإن المجامع الفقهية الرزينة والهيئات الدينية ذات العلاقة بالفتوى هي التي تستند في فتواها في أمور الحياة الاجتماعية والطبية والاقتصادية والحياتية على توضيح الأمور من قبل متخصصين وليس فهمهم هم لأنهم بعيدون عن التخصص ولا يدركون أبجدياته، ناهيك عن الغوص في أعماقه، ولازلت أتذكر فتوى من أحد العلماء عند إعلان نتائج الاستنساخ بأن من عمل ذلك يجب أن تنزل بهم أقسى العقوبات، وأن ذلك فساد في الأرض، وعندما لقيت ذلك العالم بصفتي متخصصًا ووضحت له الأمر عدل عن فتواه، وعندما ناقشته وجدت أنه لا يدرك ماهي الخلية وهو معذور في ذلك إلا أنه غير معذور في أن يفتي بغير علم.
وهناك من يدعي أن التغيير الجنسي وتنقل الرجل بين عدة نساء باسم التعدد يعزز المناعة لدى الرجل وأن صاحب الزوجة الواحدة مناعته ضعيفة، وهذا ليس صحيحًا من الناحية البيولوجية وليس هناك ربط بين التغيير الجنسي والتعزيز المناعي على الاطلاق، وأن ما يدل عليه العلم اليوم هو أن التعزيز المناعي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالناحية النفسية وأنه كلما كان الإنسان ذكرًا أو أنثى مرتاحًا نفسيًا كلما كان جهازه المناعي قويًا، فصاحب الزوجة الواحدة إن كان مرتاحًا نفسيًا فإن حالته المناعية ستكون في أوج عطائها والعكس بالعكس، وكذلك من كان لديه عدة زوجات إن كان مرتاحًا نفسيًا مع زوجاته فإن جهازه المناعي يكون قويًا، والعكس بالعكس كذلك لأن في كل الحالات الاعتبار الجنسي والعلاقة الهرمونية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالناحية النفسية ولا يمكن نفسيًا أن يتجاوب الإنسان جنسيًا وهرمونيًا مهما تعددت حالته.
وهناك من يحاول إسقاط بعض الدراسات لتجارب حيوانية على الإنسان وهذا غير صحيح علميًا كما في الدراسة التي أجراها عالمان سويسريان عن الناحية الجنسية في حيوانات التجارب التي مفادها أن المشاركة الجنسية تعزز المناعة وبالتالي فإن تعدد الشركاء الجنسيين من شأنه تعزيز مناعة الجسم، فمثل هذه الدراسات يراد منها تجيير نتائجها لتبرير الإباحية عبر تغير الجنس والادعاء أنه يعزز المناعة وأن المرأة مثل الرجل من حقها تكتسب تعزيز المناعة بممارسات جنسية متعددة مع عدة أشخاص.
فتناول الموضوع من بعض الصحف من غير أهل الاختصاص -كما ذكرت- يضفي على الموضوع ما ليس صحيحًا من الناحية العلمية وكثير من نتائج الدراسات والتجارب الحيوانية بالذات السلوكية غير دقيقة أولا ولا يمكن إسقاطها على الإنسان للتباين في التركيبة البيولوجية والنفسية والاجتماعية ثانيًا، وإن خلق الإنسان ورسالته في الحياة تختلف تمامًا عن الحيوان، بل حتى في الخلقة والشكل والهيئة مختلف كما قال تعالى (ثمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
