Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

الشغف العلمي.. مصدر إبداع

A A
أحد أكبر العوامل الملهمة للإنتاج في الحياة هي شغف الإنسان بما يريد إنتاجه ويشمل ذلك ما له علاقة بالنواحي المادية والمعنوية الحسية والقلبية والشغف القلبي أو ما يعرف تشريحيًا بالشغاف endocardium وهو طبقة من الخلايا تنشأ عند بداية تكوين القلب في الجنين فهو ملتصق بالقلب أي أن الشغف موقعه في القلب بالفطرة، ويبقى بعد ذلك تواصل الشغف مع قلب الإنسان وعقله، فإن سيطر شغفه في حاجة في الحياة وتملكت تلك الحاجة قلبه تعلق بها ويظهر ذلك في الحب والعلم والعمل وعموم الحياة لذلك عبر القرآن الكريم عن امرأة العزيز عندما تعلق قلبها بسيدنا يوسف عليه السلام بـ(قد شغفها حبًا) وهو ينطبق كذلك على كل شيء يتعلق به القلب والعقل.

وموضوعنا هنا هو تعلق القلب والعقل وشغفهما بالعلم والبحث العلمي فالبحث العلمي فيه روح وجسد وروحه الشغف وجسده ما يقوم به الباحث من أدوات البحث فإذا ضعفت روحه (شغفه) تدهورت حالته الإنتاجية والإبداعية والابتكارية وأصبح الباحث يلوك في أبحاثه ويجتر في عطاءاته أبحاثًا متكررة وهذا ما يقع فيه كثير من أساتذة العالم العربي وتجده بصورة أقل في العالم المتقدم ومن أجل ذلك تجد أن الإبداع والابتكار يشوبه الضعف وتتردى حالته، وهنا يحل علينا سؤال تجدر بالجامعات أن تجيب عليه عمليًا وليس نظريًا وهو: كيف يمكن أن نوجد باحثين شغوفين؟ وماهي الأسباب التي يمكن أن نصنع من خلالها أولئك الباحثين؟

ان أهم العوامل التي تكسب أساتذة الجامعات الشغف هي تهيئة البيئة البحثية أي إشغالهم بالتنافس البحثي الحقيقي بعد عودتهم مباشرة من البعثات وعدم إلهائهم باللجان والعمل الإداري وجعل الجو في الجامعات جو بحث علمي، وهذا يقود إلى العامل الثاني الذي يورث الشغف وهو أن الترقية في الجامعات إنما هي ترقية أبحاث وأبحاث فقط، وتتحول طريقة الترقية كما ذكرت ذلك تفصيلاً في مقالة لي سابقة إلى نوعين من الترقية ترقية وظيفية وترقية بحثية وأن الأول يرقى ماليًا كل سنوات محددة ولا يحصل على مرتبة علمية أي لا يصبح أستاذا مشاركا أو أستاذا إنما ترقية مالية فقط بينما تتاح للباحثين الشغوفين الترقية لأستاذ مشارك وأستاذ مع رفع سقف الناحية المالية لهؤلاء وثالث العوامل المساعدة على اكتساب الشغف هو تيسير أمور طلبات الباحثين الإدارية والفنية خاصة ما له علاقة بالحصول على مواد البحث العلمي.

قد يقول البعض إن الشغف العلمي إنما ينبع من داخل الإنسان الباحث، وهذا صحيح لكن تحفيز النفس على اكتسابه أمر مهم وله عوامل تزيد من ظهوره وقد ذكرت هنا بعضًا منها وقد يكون هناك عوامل أخرى لم تتسع مساحة المقال لذكرها إنما أتمنى أن يتعمق حب البحث العلمي وشغفه في قلوب باحثي جامعاتنا كما لو كانوا هناك وهم يحضرون لشهادة الدكتوراة لأن التحدي الكبير ليس شهادة الدكتوراة إنما التقدم البحثي والعلمي للوطن فيما بعد الدكتوراة ليصبح لدينا علماء عالميون وتكون جامعاتنا قبلة عالمية في البحث العلمي حيث بدون شغف بحثي وعلمي فإن الإبداع والابتكار سيكون مكانك سر وهو فارق الزمن في التقدم العلمي بين العالم العربي وجامعاتها وبين الأمم المتقدمة وجامعاتها المتصفة بالإبداع والابتكار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store