يملك المؤرخ والدكتور جواد العلي 1907- 1987م، عشر مجلدات عن تاريخ العرب قبل الإسلام، بعنوان: "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، وهي موسوعة شاملة تناول فيها تاريخ العرب القديم من جميع النواحي، ويعتبر أكبر عمل أكاديمي في تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام، تحدث الدكتور جواد في المجلد الخامس من تلك المجلدات، عن مأكل ومشرب العرب قبل الإسلام، وقد أسهب في ذكر العديد من الوقائع التاريخية الهامة من عادات وتقاليد العرب في اعداد اطباقهم، وبلا شك يعبر هذا المجلد عن واقع تراثنا السعودي المتأصل منذ أكثر من 7000 عام قبل الميلاد، ولأهمية هذا المجلد، سيتم اقتطاف بعض الأطباق القديمة التي تُشابه الأكلات الشعبية المنتشرة في مناطق المملكة العربية السعودية، والتي تغطي مساحة كبيرة من العالم العربي.
ذكر جواد أن التمر كان مادة غذائية مهمة ورئيسة عند عرب الجزيرة العربية، فأنهم يأكلونه رطبًا ومجففًا، ويصنعون منه دبسًا وشرابًا لمعالجة أمراض عديدة.. والتمور تمثل رمزًا للضيافة العربية، وهي جانب رئيسي من جوانب الضيافة في المملكة، واستنادًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله"، فالتمر كان ولا يزال عنصرًا أساسيًا في النظام الغذائي العربي والسعودي منذ العصور القديمة.. والمملكة اليوم تحتل المراكز العالمية الأولى في انتاج التمور، ولا غرابة في أن شعار مملكتنا ليومنا الحاضر عبارة عن سيفين ونخلة، وهي رمزًا للحيوية والنماء والرخاء، فالتمر حيوية لاقتصاد المملكة وللغذاء العالمي التي تشرف عليه المملكة.. فكان أحدهم إذا نال شربة من اللبن وخمس تمرات صغار، ظن نفسه ملكًا، ودب إليه نشاطه، فيقول الشاعر:
إذا ما أصبنا كل يوم مذُيقة
وخمس تميرات صغار كنائز
فنحن ملوك الأرض خصبًا ونعمة
ونحن أسود الغاب بعن الهزاهز
ومن أكلات العرب القديمة الشهية: الثريد وهو فت الخبز على المرق واللحم، وهي من الاطباق الرئيسية عند أهل الحجاز وتهامة وتسمى بذات الاسم أو بالمشربية.. أما الحريقة فهي عبارة عن دقيق ممزوجًا بالماء أو اللبن أو الحليب، وهي تشابه أكلة الجريش المنتشرة في المناطق الوسطى والشمالية، والحيسة عبارة عن تمر وسمن وإقط، وهي منتشرة بكثرة في نجد وبعض مناطق الحجاز.. وعند غلاء الأسعار يأكلون السخينة وهي عبارة عن دقيق وفوقه حساء، وتشابه طبق العصيدة الشهير عند الجنوبيين.
ولا عجب في قول أن "السعودية أرض الحضارات"، تلك الاطباق الشهية، أحد الشواهد القليلة التي تثبت صحة ذلك، وهذا يصل بنا إلى حقيقة أن المملكة ليست مستحدثه في تاريخ العرب والجزيرة العربية، وإنما على أرضها قامت العديد من الحضارات القديمة المتصلة بتاريخ المملكة الحديث، وإلى جانب الممالك العربية المكتشفة على أرض المملكة، هناك رموزًا ثقافية وتراثية أخرى كأهمية التمر وشهرة الثريد والأقط والعصيدة والجريش، كل تلك روافد هامة لتعزيز الإرث والبعد الحضاري للمملكة العربية السعودية على الصعيد الداخلي والخارجي، فيجب على النشء معرفة تلك الدلالات المادية واللا مادية من حولهم؛ وذلك تعزيز الثقافة السعودية بهدف حب الوطن والاعتزاز به.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
