Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

زكية العتيبي لـ المدينة : الأجهزة الذكية تراسلت مع الحواس بشكل أنيق

زكية العتيبي لـ المدينة  :  الأجهزة الذكية تراسلت مع الحواس بشكل أنيق

A A
حين تحاور الكبار من أمثال الدكتورة زكية العتيبي، فأنت بين خيارين لا ثالث لهما إما تدخل لعقلها بأسئلة مختلفة أو تبحث عن إشعال فتيلة الإبداع بداخلها؛ فالضيفة اسم نقدي وفلسفي وأكاديمي معروف؛ لذلك قررتُ أن أوجّه أسئلتي بالاثنين عقلها النيّر وإبداعها المتعدد ..

فكان ما توقعت عقلٌ بليغ وإبداع متجدد واسع الثقافة فكرٌ متقد بألوان الطيف السبعة.. لن أطيل فهيا ننطلق إلى تفاصيل هذا الحوار..

* هل الحب ثقافة أم مشاعر

= السؤال حمّال أوجه ومن الجيد أن أحصره في إجابتي على حب البشر للبشر مستثنية من ذلك حب الأسرة لأن سياقه مختلف، وفي هذا السياق تعجبني فلسفة نزار قباني - على الرغم من أنه قد حار في تصنيفه وهو شاعر الحبّ- عندما وصفه بـ(الخيال) في قوله:

« الحبّ في الأرض بعضٌ من تخيلنا/ لو لم نجده عليها لاخترعناه»

فهو الخيال الذي يجعلنا نعيش في أجواء طريّة تخفف من حدة الواقع، كما أنني أميل للرواية التي تجعل الحبّ «شيء» في قول نزار السابق وجعله «الحبّ في الأرض شيء من تخيلنا» فوصفه بشيء يجعله أكبر من حدود الوصف البشري فهو قوة غيبية لايمكن الجزم بها.

يعجبني توصيف ديستويفسكي له بقوله: « إن حبّ شخص ما يعني رؤيته كما يريد الله «وهنا يمكن السبب في تساؤلاتنا: هل الحب حالة أم شعور؟ هل هو ثقافة أم أمر غيبي؟ شخصيًا أميل إلى عدم وضع قالب لتعريفه؛ لأنه في كل مرة سيكسر هذا القالب وسنجدنا نردد مع الشاعر خالد المريخي ببساطة:» الحب من ربي يجي ماله أسباب» إذن هو ليس ثقافة وليس شعورا وقد يكون هذا كله!

أنثى الغمام



ثرثرة وحواس

* الأجهزة الذكية علمت الأصابع «الثرثرة» فمتى نعيد لأسماعنا الرصانة والأدب الرفيع؟

=لدينا في البلاغة والنقد مصطلح يُسمّى: ( تراسل الحواس) وهو أن تعبّر حاسة من الحواس الخمس بتعبير غيرها وكأنها ترسل للحاسة الأخرى خصائصها؛ فتصبح العين تشم الروائح بدلاً من الأنف والأذن تتحدث بدلاً من اللسان وقس على ذلك، ومع الأجهزة الذكية تراسلت الحواس بشكل أنيق وجذّاب؛ فاستعار البصر رهافة السمع، واستعارت الأنامل طلاقة اللسان أو حتى عيّه! فالأدب الرفيع في هذه المواقع (مسموعة ومقروءة) موجود تلتقطه العين المرهفة، وتُجيبُ عليه الأصابع البليغة، كما تلتقطه الأذن المرهفة واللسان البليغ أيضًا.

وعرٌ مسلكه

* الأدب همسة روح تصل الغمام لتنتظر الهطول، فهل الإمساك به كالقابض على جمرة؟

= الأدب سواء كان شعرًا أو نثرًا، فصيحًا كان أم عاميًا ، وعرٌ مسلكه وإن بدت النصوص حال نضجها ونشرها سلسلة منقادة تمشي الخيلاء وسط هالة من التصفيق والتصفير وترداد:» الله» إكبارا لها؛ فلا يمكن أن يتشكّل هذا الأدب دون تقمّص الحالة والعيش في تبعات الشّعور بها عمرًا من الزمن.

وبالمناسبة: لقد بدأت حياتي شاعرة في سن مبكرة (المرحلة الثانوية) أكتب القصائد للمناسبات والمسابقات حتى فررتُ بنفسي عن لحظات المخاض المؤلمة؛ فالقصيدة حتى تنضج ستسرق منك النوم والراحة والهدوء وستعيش حالة قلق مستمرة حتسلمك لآخر بيت فيها، والأمر ذاته عانيته مع الرواية، فقد بدأت كتابة أول رواية لي من المرحلة الثانوية حين توطدت علاقتي بالحرف وعيًا ونضجًا وظلت معي حتى ثاني كلية ولم أهدأ وأعود لطبيعتي إلا بعد أن مزقتها وقررت ألا أكتب رواية! كان تقمّص أدوار الشخصيات مرهقًا ومؤلمًا خاصة أنّ لكل شخصية أوجاعها ونمطها؛ فثمن أن تعيش حقيقة الدور باهظ على مستوى الراحة وهو عملية ليست سهلة ولاتقل صعوبة عن الحالة الشعوريّة التي يعيشها الشاعر.

آمنت بعد ذلك أنني شخصيّة لدي رسالة وظروفي (الحاليّة) لا تسمح لي بتقديم الرسالة إلا بشكل مختزل ومختصر، وحتى أتخلص من قلق الرسالة التي تريد أن تعبّر عن نفسها؛ اخترت القصص القصيرة جدا قالبًا لي منذ أيام المنتديات حتى يومنا هذا؛ لتقصر مدة المخاض التي أعيشها مع نصوصي الأدبيّة وإن كانت الجمرة واحدة في كلّ تلك الفنون إلا أنّ مدة الاكتواء بها تختلف من جنس أدبي لآخر، فالاختلاف في مدة الاكتواء، أما الوجع فواحد.

هزيمة النشر

* انفتاح النوافذ والبوابات هزم شروط النشر .. مَنْ يضبط الإيقاع المنفلت؟ وكيف؟

= لاضابط للإيقاع إن كان الهدف (مادي) لدور النشر و(سمعة وصيت) للكاتب الذي يريد أن يقول للعالم :(أنا هنا) لكن لدي قناعة أنّ الزبد يذهب، ولن يبقى إلا مايستحق؛ فالمسألة لاتستحق القلق بشكل كبير ولافرض وصاية، لأنّ الجيّد سيفرض نفسه مهما طال به الزمن، وسيجد من يؤمن به ولو بعد حين.

هطول



أسئلة استيضاحية

* التفكير الناقد صار جزءا من المقرر الدراسي .. أي أثر ننتظر؟

=التفكير الناقد موجود منذ أن بدأت المقررات ومن قبل تسميته باسمه، فنحن منذ أن كنا أطفالًا نركز على السؤال ونوجّه الأسئلة الاستيضاحية ونُحكّم المنطق قبل أن نستنتج وكل هذه آليات من آليات التفكير الناقد.

وتوضيحه للطلاب واستخدام آلياته في عصرنا الحاضر له –بلاشك- آثار وليس أثرًا واحداً سواء كان ذلك على الصعيد العلمي أو الديني أو الاجتماعي أو الأمني أو الوطني.

الرقيب الضمني

* من يسيطر عليك لحظة الكتابة ؟الرقيب .. الناقد .. أم جمهور المعجبين .. ولما

= أعترف أن الرقيب (الضمني) حاضر في كتاباتي لأنني لا أحب التصادم مع المٌسلّمات ولا حتى الاستفزاز؛ دائما أنظر للأدب على أنّه رسالة سلميّة كونية إنسانية باقية، ولا أنكر وجود بعض من (الأنا )المتعلقة برغبتنا في الخلود عن طريق الكتابة «فمروا وهذا الأثر» بُغية كل كاتب وأديب.

«من فات قديمه تاه»

* في ظل التباين بين نقيضين القديم والحداثي كيف نستطيع الإمساك بطرفيها؟

= لديّ قناعة تخصني ومنها أنطلق وهي: (لا حديث دون قديم!)

فالمثل الذي يقول:» من فات قديمه تاه» حقيقي على المستوى التجريبي، ومهما ادّعى الحداثي أنّه مُتحرّر من قيود القديم ،لا يمكن أن يكون كلامه دقيقًا بنسبة كبيرة؛ لأنه لايدرك حقيقة أن» الذئب عبارة عن مجموعة من الخراف» فأدبه الحديث لم يأتِ إلا بعد أن تغذى على القديم وإن أرّقه (قلق التأثير) وجعله يقطع الحبل السري بتلك العلاقة الأزليّة، التي يحاول نفيها عن نفسه كتهمة.

العدل مع العدو

* التسامح مع الآخر اختلاف، والتضاد بينهما تصالح، متى نمسك خطام المحبة ونسرحه بالجمال؟

= إذا فهمنا حقيقة رسالة ديننا في التسامح وهي: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» العدل حتى مع عدوك مبدأ إنساني نبيل.

سلاسل فكريّة

* متى نرى الثقافة غير مقبوض عليها بسلاسل الرقيب؟

=دعنا ننطلق في الإجابة على هذا السؤال من التعريف العام للثقافة؛ فلو سلّمنا أنّها (سلوك اجتماعي تُعرف به المجتمعات من بعضها)؛ فسنجد أنه من الصعب أن تعيش دون هذه السلاسل الفكريّة -حتى وإن كرهنا هذه القيود- سواء على مستوى المجتمع الواحد أو على مستوى المجتمعات؛ والطريقة الآمنة هي التعايش السلمي، واستحضار القيمة من هذا الاختلاف في قوله تعالى: «وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا».

* هل النهل لفلذات أكبادنا من الشارع ثقافة؟ وكيف ننمي فيهم لحظة الإبداع؟

=الشارع هو المجتمع الذي يدخل بعضه منازلنا شئنا أم أبينا إذا كنت تقصد الشارع بتعريفه في (البيئات العمرانية) طبعًا؛ فإقصاء ثقافة الشارع إقصاء لروح المجتمعات، ومن وجهة نظري نحن في مرحلة تتطلب الشفافية حتى وإن أحرجتنا مع أطفالنا فلابد أن نجعلهم يستوعبون كل الخلفيات الثقافية التي ستكون في ذلك الحيّزالمظلم المشع في ذات اللحظة، ويجعلون منها منطلق الإبداع، فالشارع هو الخيال، وهو الحقيقة في ذات الوقت، وإنكار ثقافته ووجودها تغييب لوجه مهم من وجوه الحقيقة التي يتغذى بها الخيال الإبداعي.

نأتي للفظة( النهل) في عبارتك فأنا اعتبرت استخدامك لها مجازيًا في إجابتي السابقة، أما إذا كان استخدامك لها على المستوى اللغوي بمعنى (الشرب حتى الارتواء والتّشرّب) فلا ينبغي أن يحدث هذا التشرّب عند الأطفال تحديدا؛ فالشارع فيه ثقافة الصالح والطالح والتشرب في سن مبكرة لثقافة مثل ثقافة (الطالح) لن يكون مردودها على المستوى الأخلاقي جيدا على المجتمعات فالطفل يتربى بالتقليد والتقمص والقدوة في مطلع حياته وليس عليه أن يخوض التجارب السيئة ليكون مبدعًا عظيمًا كما يُروّج البعض لحياة بعض الكتاب العالميين عندما يوسعون دوائر تجاربهم بأنهم قد جربوا وفعلوا وخاضوا.

يكفي أن يعرف حقيقة من يستوطنون تلك الأمكنة ويستفيد منها بخياله ليبدع.

الشللية والدواخل

* هل نقّاد الأدب، اليوم، باتوا موضوعيين أم شللين وينعكس ذلك على المبدعين الحقيقين شعراء، قصاص، روائيون؟

= الموضوعية والشللية قضية ترتبط (بدواخل الأشخاص) -من وجهة نظري-؛ فلا أحد يضعك تحت جناحه دون أن تقدم تنازلات تخص توجهه، وكٌتّاب اليوم يمتلكون منابرهم وجمهورهم دون وسيط؛ فلكل كاتب منبره الخاص في مواقع التواصل وله جمهور يؤمن بما يقدم، وثمّة هروب جماعي غفير لدى الكُتّاب الجدد من هذه الشللية، بل إنّ معظمهم يسعون ليبينوا للمجتمع النقدي والثقافي أنهم مع الجميع دون تحيّز؛ وهذا بدوره -أزعم - أنّه سيعيد روح النقد إلى كتلة واحدة ولو بعد حين، فإنّ كرهك ناقد وأقصاك؛ سيتبناك ناقد آخر نزيه وسيقدمك دون أن تجد نفسك مضطرًا لتقديم التنازلات التي لاتتناسب مع رسالة الأدب الإنسانية التي تحملها.

الضيفة في سطور:

* زكية محمد العتيبي، أديبة وأكاديمية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، أستاذة الدراسات العليا، وأستاذة مشاركة في البلاغة والنقد، وقاصة صدر لها أربعة كتب إبداعية (أنثى الغمام) و(رسائل متعثرة) (هطول لايجئ)، (سحابة صيف).

* لها عمود صحفي في ثقافية الجزيرة بعنوان( قيثارة) كتبت العديد من المقالات والمشاركات الأدبية في الصحف والمجلات الثقافية السعودية منذ أن كانت طالبة على مقاعد الدراسة في التعليم العام.

* وفازت بجائزتين: المركز الأول في الشعر الفصيح والمركز الثاني في القصة القصيرة في المرحلة الجامعية.

* صدر لها العديد من الكتب النقدية والبلاغية، وتولت العديد من المناصب الإدارية منها على سبيل المثال لا الحصر: وكالة التدريب في الجامعة، رئاسة تحرير الصحيفة الرسمية لجامعة الأميرة نورة (نبع الجامعة)، رئاسة الأنشطة الطلابية، كما شاركت في تأسيس العديد من الوحدات والبرامج وترأسها (تأسيس مكتب العلاقات العامة في كلية الآداب) ( تأسيس برنامج ماجستير اللغة العربية) (تأسيس برنامج الصحافة الرقمية)، (تأسيس برنامج الدكتوراة في اللغة العربية).

* عملت مستشارة في العديد من الجهات التعليمية والثقافية (مستشارة برنامج السكرتارية في جامعة الأميرة نورة).

- مستشارة عمادة ضمان الجودة

- مستشارة قسم اللغة العربية

- مستشارة عمادة شؤون الطالبات

-سفيرة من سفيرات التميز في التعليم والتعلم

- سفيرة جودة مستشارة لدى هيئة المقاييس والمواصفات والجودة

- خبيرة من خبيرات الجودة بالجامعة

- مراجعة خارجية لدى هيئة تقويم التعليم والتدريب مابين ترأس فريق المراجعة وعضويته.

- مدربة معتمدة في الجودة والتطوير المهني والتنمية البشرية في الجامعة وخارجه.

- شاركت في العديد من المؤتمرات والملتقيات داخل المملكة وخارجها.

- تشغل حاليا منصب مديرة برنامج ماجستير اللغة العربية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store