Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

الرضاعة.. أبوة شرعية وبيولوجية لفاقدي الأبوين

A A
نوه القرآن الكريم الى أن فاقدي الوالدين هم إخوة لنا في الدين ولهم كل امتيازاتهم البشرية دون أن يكون هناك نقص من قدرهم، فقال الله تعالى في حق من لم يعلم له أب (فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) فجعل لهم مكانة اجتماعية عالية وهي مكانة الأخ وعززها بشرف الدين ومعلوم أن إخوة الدين تغلب إخوة النسب في حال فقد الأخ من النسب الدين فرابطة الإخوة في الدين من أقوى الروابط كما قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

الإسلام جاء لحفظ الأنفس من الضياع حتى من ارتكب في حقه خطأ وحدث أن خرج الى هذه الحياة كنفس فاقدة الأبوين، أوجد لها نظامًا حاميًا وشرع لها تعاملاً محمودًا، يحميها من التنمر، ويحفظها من رميها بالخطيئة، ويمنع التعرض لها بأي صورة من الصور، اضافة الى الاحترام والتقدير الاجتماعي منح طريقة بيولوجية تمنح فاقد الوالدين أبوة شرعية وبيولوجية وذلك من خلال الرضاعة، فالرضاعة ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) وفِي صحيح الإمام البخاري يقول عليه السلام فيما يرويه ابن عباس رضي الله عنه (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) فالآية والحديث يجعلان بالاجماع تحريم النكاح بالرضاعة كحرمة النسب تمامًا وتنزلان الرضيع منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة ما عدا أنه لا يترتب عليه بعض الأحكام مثل التوارث ووجوب الإنفاق واسقاط القصاص، والرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع والمرضعة وزوجها وبذا يكون فاقد الوالدين ذا أبوين شرعيين (أبوة شرعية) عوضه الله بهما والديه وعادة ما يحن الحليب فتنبثق منه كل معاني الحب والود والحنان، ولو سألت من كان له أولاد أو بنات من الرضاعة وتربى في البيت عندهم كأيتام فإنك تجد مشاعر فياضة وحنانًا منقطع النظير وهذا من أسرار الرضاعة غير أسرارها البيولوجية والمناعية (وضحت ذلك في مقالة سابقة).

أما الأبوة البيولوجية فقد عرفت حديثًا حيث أعلن الدكتور مارك سريجان ما توصل اليه وفريقه البحثي في المؤتمر الدولي لجمعية (أبحاث لبن الألم والرضاعة) بأستراليا عام 2008 بوجود خلايا جذعية بكثرة في حليب الأم، ان هذه الخلايا الجذعية التي يتم ارضاع الطفل بها مع الحليب تشارك في برمجة أنواع عديدة من نسيج وخلايا جسم الطفل مما تؤثر في تركيبه الجيني كما اكتشف حديثًا أن الحليب يحتوي على الاكسوزومات بكميات كبيرة وهي عبارة عن كبسولات بيولوجية بحجم النانو تنتجها الخلايا تعمل على نقل الجزيئات الدقيقة (مادة وراثية واشارات كيميائية) الى جميع أجزاء الجسم فكأن الطفل فاقد الوالدين تكونت أنسجته وخلاياه من الأبوين الأساسيين اضافة الى الأبوين البيولوجيين اللذين منحاه حليب الرضاعة الذي يحتوي الخلايا الجذعية والاكسوسومات المؤثران على مسار تكوينه الجيني كما تشير اليه الدراسات والبحوث وتلك (أبوة بيولوجية) ولمعرفة المزيد عن الخلايا الجذعية في النواحي البيولوجية وعلاقتها بالنواحي الجزيئية والجينية يمكن العودة لما كتبته عنها في المقالات السابقة والمواقع العلمية مثل موقع Researchgate تحت اسم Saleh Alkarim وغيرها من الأبحاث العلمية الحديثة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store