Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

«تشاورا» قبل أن «تنفصلا»!!

A A
الغضب جمرة من النار وهو أسوأ خُلق يمكن أن يكون عليه أي إنسان، لذلك كانت نصيحة المصطفى صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: «لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب» لأن عواقبه وخيمة، ولحظته لحظة يرتع فيها الشيطان وينبسط أيما انبساط خاصة إذا جاء وحضر لحظة الغضب بين الزوجين، وطبيعي أن يكون هناك اختلاف بين الزوجين وكذلك من الطبيعي أن يحدث الطلاق بينهما، لكن من غير الإنساني ومن غير الطبيعي أن يخلّف الطلاق عداوات ومهاترات وقد يصل عند البعض باتخاذ الأطفال هدفًا لتحقيق الرغبات العدائية والمصالح الشخصية، يمكن أن يكون هناك طلاق لكن من الأفضل أن يتدارس الزوجان أسباب ذلك والتشاور بينهما: كيف يمكن أن يتم ذلك بالحد الأدنى من الأضرار عليهما وعلى أطفالهما؟ فقبل أن تنفصلا كزوجين تشاورا ما هو مصير الصغار وكيف يمكن التفاهم على وضعهم؟ خاصة إذا تيسر بعد الطلاق لكل واحدٍ من الزوجين حياة زوجية جديدة.

إن التشاور قد يقود إلى أن يكون هناك تدرج بالطلاق وليس دفعة واحدة، إنما كما وجه القرآن الكريم وأوضحت ذلك سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن تكون هناك طلقة واحدة على أن تبقى المطلقة في بيتها ولا تخرج منه وأن على الزوج عدم إخراجها من بيتها كما وجه بذلك الله ويجب أن تكون المعاملة في هذه المرحلة بشيء من اللطف والتعامل الحسن فلعلها فترة تنضج فيها أمور وتتضح فيها قضايا كما ينبغي أن يتم بينهما دراسة بعض الملفات المعلقة التي لم يتم التوصل فيها إلى حل في مرحلة ما قبل الإقدام على الطلاق ولو حدثت طلقة أولى ربما تكون طلقة تأديبية للطرفين فيعودان إلى بعضهما، فالتشاور مطلوب قبل الانفصال لأن فيه خير كثير وقد قال أحمد شوقي:

الدين يســـر والخـــلافة بيـعــة

والأمر شورى والحقوق قضاء

وكما قيل ما خاب من استخار وما ندم من استشار، والتشاور دائمًا نتائجه إيجابية، ففي الحياة الزوجية يجب على الرجل والمرأة معًا سواء في موضوع الطلاق أو الخلع ألا يستأثر بأخذ القرار على عجل وبتسيير أمور البيت والأطفال والحياة الزوجية دون مشورة الشريك أو أن يغلب عليه استبداد الرأي، فالشورى من أهم أخلاق المؤمنين، وقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قائد عام لرأي زوجته في صلح الحديبية ونزل على رأيها وفاز بتحقيق النجاح للمسلمين وكان رأيًا سديدًا.

فالزوجان إن تشاورا قبل أن ينفصلا لربما يصلا إلى حل يعدلان فيه أساسًا عن الطلاق، أو قد يجدا حلاً وسطًا لما كانا يختلفان بسببه، وربما لحظة شيطان وغضب تنتهي بالتراجع وربما تدخل آخرون بينهما أفسد علاقتهما ببعضهما فيتنوران بالتشاور، فالتفاهم والتشاور يعيدان البناء وكما قيل (المشورة تبني المعمورة) وإن -لا سمح الله- حصل الطلاق يكون التشاور بابًا للعودة إلى بعضهما مرة أخرى وإن لم يكن الأمر كذلك تحل بركة التشاور على أبنائهم فيعيشون حياة طيبة وسعيدة وكأنهم بين أبيهم وأمهم وهذا الحد الأدنى من فائدة تشاور الزوجين بعد الطلاق.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store