نقلت إحدى الصحف المحلية خلال الأيام الماضية واقعاً غير متوقع عن قرية توارن الأثرية، التي تقع على بُعد 50 كيلومتراً عن وسط مدينة حائل، والتي تقع بالقرب من منازل حاتم الطائي الذي عُرف على مدار التاريخ بالكرم، وكان منزله مقصداً للباحثين عمَّن يغيثهم من الجوع، وقدَّم صورة متميزة لإنسان هذه البلاد العظيمة والقِيَم التي يتمتع بها، والصفات التي يحملها. وبلغ من قدر هذا الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق سراح ابنته التي تم أسرها في إحدى الغزوات، تكريماً لسيرة والدها، وليس في ذلك غرابة، فهو الذي بعثه الله تعالى ليُتمِّم مكارم الأخلاق.
التقرير الصحفي نقل صورة عن الأوضاع المتردية التي وصلت إليها حال المنازل التي تشكو الإهمال بعد أن كانت تحظى باهتمام هيئة السياحة والآثار – في ذلك الوقت –، والتي قامت بعمل جلسات للسائحين وممرات بين أطلال منزل الطائي، إلا أنها للأسف تعرَّضت للتلف، ولم تعد قادرة على القيام بالدور الذي أُوجدت لأجله.
ولأننا نستشرف ونعيش مرحلة جديدة على هدي رؤية المملكة 2030، التي نادت بتعظيم دور القطاع السياحي وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، فإن مثل هذه المواقع التاريخية الفريدة ينبغي أن تجد عناية قصوى، لا سيما في ظل التوجُّه لاستقطاب 100 مليون زائر بحلول عام 2030، وهو الهدف الرئيس الذي تستنفر لأجله الجهات المختصة كل مقدَّراتها، لذلك يتوجب استخدام كافة الأدوات التي تعين على الوصول إليه.
ولأن المملكة العربية السعودية هي مهد العرب، والأرض التي شهدت مبعث كثير من الأنبياء والرسل، وتوجد على أرضها العديد من المواقع الأثرية الخالدة، التي تمتاز بتاريخها العريق، فإنها تُمثِّل شاهداً حياً على الدور الحضاري المتميِّز الذي اضطلعت به هذه البلاد على مدار التاريخ الإنساني، والإسهام الفاعل الذي قامت به.
هذه المواقع تُمثِّل ثروة لا تُقدَّر بثمن يمكن - إذا استطعنا الاستفادة منها بالصورة المثلى - أن نُحقِّق العديد من المكاسب، وأن نُوجد منها مصادر دخل إضافية هائلة، سوف تسهم في تعزيز جودة الحياة، ورفع مستوى المعيشة، وإيجاد مئات الآلاف من الفرص الوظيفية، وأن تُحقِّق طفرة متكاملة في جميع المناطق.
وقد تزايد الاهتمام بقطاع الآثار في هذا العهد الزاهر الذي نعيشه تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعضيده وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، باعتباره مدخلاً رئيساً للتعريف بالمكانة البارزة للمملكة، والدور الكبير الذي لعبته في ازدهار الحضارة الإنسانية.
كما أولت الرؤية اهتماماً كبيراً بقضية الآثار والمواقع التاريخية، ووضعت تصوراً متكاملاً لكيفية استغلالها وتسخيرها بالشكل الذي يجعل منها مورداً اقتصادياً بالغ الأهمية، يُسهم في تقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، فهذا القطاع يُشكِّل كنزاً ثميناً لم يتم استغلاله حتى الآن بالصورة المثلى، رغم أن ما يحتويه باطن أرضنا يمكن أن يُشكِّل ثورة علمية تُثبت أن بلادنا هي أرض الحضارة ومهدها، ونقطة انطلاق النور إلى العالم.
نحن بحاجة ماسة إلى تكثيف الاهتمام بتلك الكنوز التي تحفل بها بلادنا، وأن نقوم بذلك وفق خطة مدروسة تؤدي للحفاظ عليها والاستفادة منها بالشكل المطلوب، وتعريف العالم بالدور الحضاري الكبير الذي اضطلعت به هذه البلاد على مدار التاريخ الإنساني، فمواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديم تشرح الدور الفاعل للمملكة، وموقعها البارز على خارطة الحضارة الإنسانية، وإرثها العريق الذي تمتاز به، وهو ما يمكن أن يسهم في تقديم صورة حقيقية عن السعودية.
ولا ننسى بطبيعة الحال أن السياحة لم تعد مجرد مجال اقتصادي يسهم في زيادة الدخل، بل هي أبرز أدوات القوة الناعمة التي نستطيع عبرها تعريف الآخرين بثقافتنا وتاريخنا العظيم وواقعنا المشرق، وأن نجعلهم يتعرفون عن قرب على ما يوجد ببلادنا من فرص استثمارية ضخمة، وبذلك نكون قد أسهمنا في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية للعمل ببلادنا وتحقيق أهداف كثيرة.