لم يكن اختيار الدرعية كعاصمة للدولة السعودية الأولى ومنطلقًا لتوحيد بقية مناطق الجزيرة تحت الراية السعودية عشوائيًّا، فهذه البلدة تقع على ضفاف "وادي حنيفة" الذي كان يعرف قديمًا باسم وادي العِرْض، وهي من أخصب المناطق زراعة وأوفرها مياهً، ولهذا نجد جدُّ آل سعود "مانع بن ربيعة المريدي الحنفي" ينتقل إليها مع أفراد عشيرته سنة 850هـ/1446م ليتّخذ من موضعي "غصيبة" و"المليبيد" ما عُرف لاحقًا بالدرعية، حيث جعل من "غصيبة" مقرًا له ولحكمه وبنى لها سورًا، وجعل من "المليبيد" مقرًّا للزراعة وتحقيق الأمن الغذائي.
وعند دراسة ظاهرة مدينة الدرعية التي أسسها "مانع المريدي" في منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي وما نتج بعد ذلك من قيام الدولة السعودية الأولى، يتبين لنا من معطيات عدة أنه أسّس الدرعية لتكون المدينة الدولة القابلة للتوسع مع الأيام، ونستشف من مواقف أمراء الدرعية منذ الأمير "مانع" أن هناك دستورًا عائليًّا للحكم ركّز على فكرة الدولة، وعلى العنصر العربي، وهذا ما جعل هذه المدينة لا تقوم على عصبية قبلية وإنما على أساس دولة عربية.
ومن جهة أخرى، فإننا نجد أن الإمام محمد بن سعود قد استثمر ما بدأه جده "مانع المريدي" بأن طوّر الدرعية عمرانيًّا بتوحيد شطريها وتسويرها والتوسّع في البناء على أطرافها، كما أنه جعلها رمزًا للبلدات النجدية الآمنة والمزدهرة اقتصاديًّا، فكانت تقصدها القوافل التجارية وتمرّ بها قوافل الحجاج على حدًّ سواء، هذا فضلاً على تحويلها إلى عاصمة للعلم والمعرفة والتنوع الثقافي في منطقة حِجْر اليمامة كافة، فقصدها العلماء وطلبة العلم، وفضّلوا -لأمنها ورغد العيش- الاستيطان بها والمساهمة في ازدهارها.
ومع توافد عدد كبير من التجار وطلبة العلم وغيرهم من الوافدين الذين كانوا من طبقات مختلفة إلى عاصمة الدولة السعودية الأولى، ازداد عدد سكان الدرعية مع مرور الوقت ازديادًا كبيرًا وتوسعت رقعة مساحتها، وأصبحت مقصد طلب العلم، وقبلة أرباب التجارة، وموئل الباحثين عن الرزق، كل هذه العوامل والأسباب أسهمت في بقاء الدرعية عاصمة للدولة الناشئة بالرغم من ضمّ بلدة الرياض إلى ذلك الكيان المبارك سنة 1187هـ/ 1774م، بل إن انتقال العاصمة من الدرعية إلى الرياض عند قيام الدولة السعودية الثانية سنة 1240هـ/1824م لم يكن زُهدًا في الدرعية نفسها وإنما بسبب التدمير الفظيع وسياسة الأرض المحروقة التي تعرّضت لها هذه البلدة المباركة على أيدي جحافل الغزو التركي الخارجي سنة 1233هـ/ 1818م.