Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

محتوى اللا محتوى!

محتوى اللا محتوى!

A A
تتعدد المسميات لمقدمي المحتوى ما بين (يوتيوبر، تيك توكر، سنابر... وغيرها) وكلها تعني أن هذا الشخص لديه قناة على هذه المنصة ويقدم فيها محتوى. كلامي ليس بالعموم ولكن كلمة محتوى بريئة تماماً من كل ما يتم تقديمه من هذه الفئة على تلك المنصّات، فالمحتوى تعني أن هناك شيئاً ما يتم تقديمه وبالتالي عندما يكون هذا الشيء فارغا ويفتقد لأي شيء هادف فيصبح اسمه في نظري (لا محتوى).

هذا توضيح جانبي وبالعودة إلى موضوعنا الأساسي ففي زمن ليس ببعيد كان المحتوى المتشدد سواء دينياً أو اجتماعياً او حتى اقتصاديا هو السائد حتى أصبحت متابعة هذه الحسابات وكأنها أمر مفروض عليك لأنه موجود في كل مكان حولك، فأصبحت أفكارنا موحدة، متشابهين غالباً في معتقداتنا وآرائنا، مسيّرين في اختياراتنا، ولذلك فإن النتيجة غالباً واحدة وإن اختلفت الأذواق حول هذا النوع من الحسابات فإننا ما بين مؤيد ومحب وما بين معارض أو كاره حتى أصبح واقعاً نعيشه دائماً وفي كل مكان.

اليوم أصبح هناك تيار جديد موجود في الساحة يقدم محتوى فارغ يجمع بين التفاهة والإسفاف، محتوى لا تستفيد منه شيئا ولا أنكر أن البعض قد يكون لديه ملكة خفة الظل ويعطيك بعضاً من الضحك بغض النظر أن الضحك يكون على تفاهات ولكن في نظري أن الحياة لا تتطلب أن تكون جادة دائماً ويجب الخروج عن المألوف لأن كل واحد فينا يستحق كثيراً من الضحك.

ولكن هذه ليست القضية، قضيتنا اليوم ليس المحتوى المتشدد المزعج ولا المحتوى الخفيف المضحك، قضيتي اليوم أين هو المحتوى الوسطي؟ أين المحتوى الهادف والذي يجعلنا نطمئن بأننا مازلنا بخير، وأن الأجيال القادمة ستكون بخير.

نحن الآن في صراع حقيقي، كنّا نخشى على أنفسنا سابقاً أن نكون جيلاً معقداً يخاف الحياة ويخاف أن يُخطئ ونخاف أن نسهر ونخاف أن نسافر ونظن دوماً أن هناك عقاباً ينتظرنا ونسينا المغفرة والرحمة والحياة.

كنا لا نعرف الوسطية، على الرغم من أنني شخصياً كنت أعيش الوسطية في منزل العائلة ولكن هناك وجها زائفا كنت ارتديه خارج المنزل لأشبه به الناس في الشارع.

أما اليوم وقد خرجنا من تلك الحقبة سالمين معافين، ربما أُصبنا ببضع ندبات تكونت على هيئة عُقد ولكننا اليوم سعيدون بالنجاة. أصبحنا اليوم نخاف على أبنائنا أن يكونوا سطحيين بلا هدف واضح وبلا قيم ولا ثقافة، أصبحنا نخاف على الجيل الجديد أن يعيش نفس التبعية المطلقة في الطرف الآخر من الدوامة التي عشناها وتكون النتيجة ندبات أخرى تصيب المجتمع ولا نعلم متى سيتم علاجها.

وعندما نفكر في الحلول أول ما يخطر في بالنا هي الحلول التقليدية ولذلك أرجوكم لنفكر في حلول حقيقية، لم يعد لدينا وقت للتجارب، ولا أريد أن أسمع كلمة إنه دور العائلة في التربية فهذه مثالية زائدة عن الحد ولا تظنون أنه دور الإعلام في التثقيف فهذه أيضاً اتكالية زائدة عن الحد، إذاً ما الحل؟!

أنا احترت في إيجاد الحل المناسب ولكن اعتقد أنه يجب أن يكون هناك مشروع وطني شامل معزز للقيم وللهوية وللثوابت يتلاءم مع التوجه الحديث يجمع ما بين المستقبل والتطور والانفتاح وما بين ديننا وهويتنا وثقافتنا.

مشروع يجمع بين الإعلام والأسرة والمدرسة نحن بحاجة إلى غزو فكري هادف يحطم ما يحاول صانعو اللامحتوى ان يزرعوه فينا وفي أبنائنا.

يجب أن نتعلم من أخطاء الغرب الذين أصبحوا دليلاً واضحاً للرجعية الإنسانية والابتذال الاخلاقي، يجب أن نتعلم منهم كيفية صناعة المحتوى ولكن بطريقتنا وثقافتنا، يجب أن نبدأ فوراً لتكون هويتنا مطبوعة في وجداننا وحياتنا وليس فقط على دفاترنا وأوراقنا.

معاً سنصنع المستقبل الذي نريده وسنجد الحل، وحتماً هناك أفكارا لم تخطر على بالي ولكنه قد حان الوقت لأهل الخبرة بمشاركة كل الأجيال والموارد بكل القطاعات ليصنعوا توازناً حقيقياً في المعتقدات والأفكار من أجل الوطن.

أتمنى حقاً أن نغزو أنفسنا أولاً ثم نغزو العالم بأفكارنا وهويتنا وعاداتنا، بطريقتنا وحبّنا وأخلاقنا، سنغزو العالم حتماً بنجاح لأن أجندتنا الوحيدة ستكون أن يُصبح في المحتوى.. محتوى!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store