Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

انصهار الأدب

انصهار الأدب

A A
بيننا وبين ذواب جليد الأدب شموع أشعلت وسط الظلام، فأحرقت الأعلام، وشوهت الكلام، وصنعت من الحياة حياة الأوهام، فلم يعد للبدر رونق، ولا لليل سكون، ولا للصباح إشراق.

قتلت الأمجاد، وأكثرت الأعياد، فانصهر منها جليد الأدب الدافئ، كم احتمى به أديب، واقترب منه مكتوٍ من الفراق واللهيب، فكان من أدب اللوعة والفراق ما حسن وطاب، وأشرق به ليل المصاب، ودون شعور الأحباب وفراق الأصحاب، ولوعة العشق والعتاب.

ازدانت النصوص بما فيها من جمال وصور، وأخيلة كزهور في حدائق مثمرة، كالنجم في جوف السماء بليلة باردة، وكغيث على أرض رابية منبته، تلونت أزهارها بالوان الحياة المختلفة.

انصهر الأدب وذاب، وزاحمت حممه بقايا الجليد الأبيض، فلم يعد من الأزهار إلا مواقعها بين أحجار مترامية في صحراء مجدبة، عقم الأديب فعجزت اللغة، فلم تجزع لما قيل فيها من عقم وضعف وعجز، شاخت بفعل من أجبرها على الشيخوخة وهي في صباها، فاختفت محاسنها وذوت مفاتنها.

فصرخت، ولا تزال تصرخ، لم تركتموني لمن يلهو بجمالي وحسني؟ كيف لمن لم يقدر على رؤية مفاتني أن يتصدر مشهدي؟ ويقود أمتي؟ ويتحدث عن جمالي؟ كيف يقدر على وصفي من لم يتمتع ناظره بمقلتي؟ تزاحم في ساحتي الشجاع المغوار، الذي يحمل أجمل الأسلحة، ويتمتع بشجاعته الفذة، وقدرته وعبقريته، وقوته وفتوته، مع من هرم في طفولته، فأصابه الوهن والضعف قبل أن يمتلك سلاحاً يذود به عن ساحتي.

نقبوا عني بين الحجار والصخور، وفي بطون الأودية ومسالك العبور، لأعود لمجدي وحياتي، وقوتي وشبابي، امنعوا كل هزيل أصابه من العيّ مرض، ومن ركاكة البيان عاهة.

اجمعوا في ساحة البيان أهل التبيان، وفي معركة اللسان أهل الحرف وسلاح الصولجان، لأعود متبخترة قوية، ضاحكة مستبشرة، فتية متهكمة، أسع كل علم وحكاية، وكل فكر ودراية، فأصنع للحياة مساراً جديداً، وللأدب شكلاً وجليداً، طريفاً وتليدا.. أدبنا كالبدر إن أشرق في ليلة ظلماء، طاب في الظلام نوره، وحسن في الغلس رونقه، سهر ليله منيراً هادئاً، عاش مع العشاق في ولعهم، ورافق المهموم في سهره، تغنى به المحب، وحادثه المغترب، وأطال النظر فيه من اكتوى بنار الحب.

فالبدر إن عاد أنار ليله، وإن غاب أظلم الليل وافتقر فاقدوه لرؤيته.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store