لأول مرة أسقط مرضًا.. الحياة ليست لونها بمبي كما تقول سعاد حسني، صرت بحمّاي كجواد تعثّر فجأة ومال فهوى.
عرفت الآن لماذا المتنبي أفرد قصيدة كاملة واسماها وزائزتي.. إنما أكثر من ذلك أن تصاب بحمّى ولا أحد معك سوى الله ثم مخدتك، تشعر أن رأسك يؤلمك والأفكار تحيط بك من كل جانب ممتلئة كالقارورة لا.. بل كالجبال، تحلم أن تلتقط القلم وتحدث رنينًا على أسنانك وأن تكتب لكن حبره القاني مختلطًا ما بين البياض والسواد ربما يقترب من اللون الرمادي كأغنية الفنانة لطيفة: «لا أبيض ولا أسود.. لكن مش رمادي».
الحياة كمشنقة الملابس فيها القوي والضعيف والمهترئ حتى ذاك المفتول بالحديد على شكل مثلث منقعر تصدمني شياكته لكن النيران تذوّبه كصدري الذي يفور كالتنورة وهذه المخدة البالية التي أتعبتني كثيرًا وأوجعتها ضربًا.. سعادتي تكمن في هتك ما في بطنها ونثره في أرجاء المكان، هكذا أشعر بسعادة بالغة حين أغني وأرقص على صوت فيروز وهيهات ينفع الرقص مع هذه الحمّى: «وهديتني وردة.. فرجيتا لصحابي.. خبّيتا بكتابي.. زرعتا عالمخدة.. هديتك مزهرية.. لا كنت تداريها.. ولا تعتني فيها.. تَ ضاعت الهدية.. وبتقلّي بتحبّني.. ما بتعرف قدّيش.. ما زالك بتحبّني.. ليش دخلك ليش؟».
وبعد معاناة بينك وبين حماك تذهب تهرول على أنغام الحمى إلى سريرك مسلسلاً خائفًا تنظر خلفك تتترقب وتصرخ: من يعيد لي صوتي واسمي ورسمي، حياة بائسة تلك التي أعيشها مع أفكاري، توأمين نادمين باكيين، وحبّات العرق تتصفّد تتماهى مع دموعك، حتى مقالي هذا الأسبوع أرسلته لصديقي الذي يستقبل مقالاتي قال فعلاً الزكام أثر عليك.. هنا انتفضت وجاءت فكرة مقالي هذا «الحمّى الحمّى يا جماعة»... الحمد لله.
* وأخيرًا...
أيتها الحمّى لا تعيريني اهتمامًا، بقدر ما انتبه لك، اجعليني بين جنبيك وأسألي نفسك: ماذا تريدين مني؟! إن استطعت أن تجيبي فهذا يعني أني باقٍ في مقلتيك دمعًا، في وريدك دمًا، في نبضات قلبك، مع كل نبضة إحساسي يسري فيك، احتملي يا حماي عندها عنادك لنفسك وسأحمل ورقات بيضاء تهتك عفتها أن اسمك فيها يا مدعي الصداقة، وخابت صداقتك أيتها الحمى، اذهبي حيث تشاء تحت ظل خوفي منك، هناك عند شجرة ماتت أوراقها، وبقي الجذع يبكي، ينتظر ماء حرفك تسكبه حبّات عرقي.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
