ليس هناك أخطر على الأعمال من إعجاب صاحب المؤسسة بالرأي الخطأ.. ومن خلال مئات بل وربما آلاف التجارب التي عايشها الإنسان وعاينها ورآها في أسواق العمل حيث التجارة بمفهومها القديم والحديث، كان القرار هو تلك النواة التي تحقق توازن ميزان مستقبل المؤسسة، وفي عالمٍ تسوده اليوم الكثير من المتناقضات، وتعصف بعقول الناس فيه الكثير من التجاذبات المتسارعة في عالم الأعمال، يجد كثير من روّاد الأعمال أنفسهم كل يوم أمام تحديات لم يختبروها من قبل لا مُشاهدةً ولا مُمارسةً، فيقع التخبط، وتحصل الأزمات الكبرى التي كثيراً ما تكلّف رائد الأعمال مستقبله كله.
إن قلة الخبرة إدارياً وتسويقياً، ووضعاً للاستراتيجيات وتحايُلاً على المصاعب، ومواجهةً للمنافسة غير الشريفة في الأسواق هي كلها عناصر خطيرة موضوعة على الطاولة دائماً أمام صاحب أي مشروع وأمام فريق عمله.. وإن تأسيس مشروع ليس نُزهةً نهرية في أحد أكثر أنهار العالم هدوءاً، ولكنه الإبحار في محيطٍ متلاطم الأمواج، ولذا فرائد الأعمال الذي اختار أن يكون محارباً شجاعاً يحارب الحياة ليتفوق عليها، عليه أن يفهم الصورة جيداً قبل أن يبحر أو أن تبتل قدماه.
قلة الخبرة هي أحد أعظم المخاطر التي تواجه أي رائد أعمال، لذا فإن كان رجل الأعمال المتمرّس يحتاج إلى ساعة تفكير قبل أخذ القرار فإن رائد الأعمال يحتاج مقابل هذه الساعة الواحدة أربعاً وعشرين ساعة، ويحتاج إلى وقت إضافي في التفكير لأنه عليه أن يجمع فريق عمله والذي في كثير من الأحيان يكون حديث عهدٍ بالأعمال مثله، وهكذا يتطلب الأمر من الجميع المزيد من الحوارات وطرح الآراء والوصول إلى مؤائمات عقلانية بهدوء.
إن إصرار رائد الأعمال على رأيه الذي يراه فريق العمل خطأً قد يؤشر إلى أن المؤسسة مقبلة على قفزة كبيرة جداً عندما يكون ذكاء رائد الأعمال ذكاءً استثنائياً، لكننا لا نستطيع أن نفترض أن الصورة هكذا دائماً، لذا فإن من المهم أن نعالج هذه القضية بعيداً عن افتراض تحقق الحالة الاستثنائية في كل مؤسسة ناشئة.
إشراك فريق العمل في المؤسسات الناشئة قبل أخذ القرار ضمانة لكي يتحمل الجميع نتائج ذلك القرار، وفي ذلك تحميل مسؤولية أخلاقية وأدبية لكل أعضاء الفريق، وهذا بحد ذاته سيساعد رائد الأعمال على مواجهة الأزمات بشكل أفضل بكثير من قيامه بأخذ القرارات منفرداً، وسيجعل الجميع خلال الأزمة غير قادر على التنصل من المسؤولية، وهنا يصبح رائد الأعمال الديمقراطي أحد أكثر روّاد الأعمال ذكاءً.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
