Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المقاومة الكرتونية

المقاومة الكرتونية

A A
درسنا في علم الفيزياء أن المواد تختلف مكوناتها وخصائصها ومقاومتها، وعلمنا حينها من أساتذتنا أن لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار معاكسة له في الاتجاه، أما في الواقع المعاصر فقد نسفت الأحداث المتسارعة غير المتوقعة والمتغيرات السلبية المبهمة كل المبادئ والنظريات التي سبق أن آمنا بها.

وبين اختفاء الزعيم الشيعي السيد موسى الصدر مؤسس حركة أمل في آواخر السبعينيات الميلادية وظهور الشاب حسن نصرالله عضو حزب الله على أولى عتبات الساحة الجهادية عقب انقسام البيت الشيعي بداية الثمانينيات الميلادية وقائع في ظاهرها البسالة وروح المقاومة وعودة الانتصارات من جديد للأمة التي قُدّر سابقاً من مُنَظّريها بأن توهجها لمناصرة قضية العرب العادلة سوف يسحب معه الملايين من الشعوب الإسلامية والثورية، ويسهم كذلك في تثبيت دعائم الشرعية الهشة للتنظيم المستحدث.

أما في بواطن الأمور: فيجد الحاذق المتبصر خلاف ذلك من التفرقة البينية وتغيير التركيبة السكانية والتسلط على مقدرات مؤسسات الدولة ومفاصلها والتحكم في سيادتها والتفرد بالقرار البرلماني والرئاسي وتهميش قطاعات الجيش والشرطة وحمل السلاح عنوة وإقصاء الخصوم المحليين إما بالترويع أو بالقتل والتفجير، وجميع ذلك مما يعارض بنود اتفاقية الطائف الموقعة من قبل كافة القوى السياسية اللبنانية.

ويجد أيضاً أن الأدوار قد تبدلت مع اشتعال عراك الثورة الخمينية بالنسبة للسيد موسى الصدر، الذي خالف توجهات ما رُسم له بعد أن تمكن عند قدومه من مدينة قُم بجمع الشتات الشيعي المهمش خلفه سواء في الساحل أو في البقاع، حيث تسبب إظهار قوته وصوته وبدء نشوزه على بعض الأنظمة العربية الموالية له في المنطقة وطمعه أيضاً في الاستقلالية والتمدد أن يخيف داعميه الجدد الذين يستعدون لتسلم مقاليد الحكم في طهران، مما أسرع في التخلص منه وكتابة آخر سطر لمسيرته المثيرة بنهاية محيرة حتى لأقرب مناصريه المخلصين.

ويجد كذلك أن الحاجة بعد المجازر البشعة التي شاركت بارتكابها حركة أمل مع الفُرقاء المتناحرين ضد مخيمات صبرا وشاتيلا بحق اللاجئين الفلسطينيين العُزَل تدعو وتلح لإنشاء فصيل آخر يتبنى ظاهرياً الرؤى والمقاصد الإسلامية بدلاً من الشعارات الاشتراكية والقومية، وذلك بالضرب على وتر العاطفة الجياشة التي تمكنهم من حشد الجموع المغيبة والجماهير الهادرة.

ويجد أن الحزب أصبح شوكة مسمومة في خاصرة الأمة، حيث اعتاد على رفض تطبيق مُجمل قرارات مجلس الأمن وتسويف جميع مطالبات جامعة الدول العربية، وهو يسعى دوماً للانقسام والصدام ويعمل باستمرار على تحريض الشباب الثائر ودعم المعارضين والمنشقين بالعتاد والمال والعناصر المدربة وإضفاء الحماية لفلول الخونة الهاربين، ولا يغيب عن بالنا إصراره على مساندة مليشيا الحوثي الإرهابية وكل الحراك المتطرف في عمقه العربي وتصديره للصواريخ والطائرات المسيرة والمخدرات لأجل التعجيل في تنفيذ مخططاته الإجرامية الشنيعة التي سوف تزيد من إحكام قبضته أكثر وأكثر لا سمح الله.

ويجد أنه كلما اشتد الضغط الدولي على النظام الإيراني المتمرد افتعل الحزب المشكلات حوله أو قام ببعض المناوشات الصبيانية على الحدود التي يقوم بحراستها بدقة وعناية فائقة بالتناوب مع المحتل المهادن، وكل ذلك من أجل فك الخناق عن أسياده وهو غير مبالٍ بأعداد الأبرياء الذين يسقطون ضحايا لنتائج مغامراته الزائفة أو بالدمار الوخيم الذي من المؤكد إنه سيحل بالبنى التحتية اللبنانية.

ويجد بحرقة أن جُلَ هذا الخراب الذي نعاني من سطوته الآن ونرى خطره لا زال ماثلاً أمامنا هو من أجل إكمال فصول مسرحيته الهزلية الدامية، فلا هو من حرر القدس ولا هو من حافظ على وحدة أكنافها وخيراتها ومقدراتها عند تبنيه التوقيع المفاجئ -بالنسبة لبعض المخدوعين به- على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الإسرائيلي الغاصب. وإنه سوف يجد مستقبلاً ضرورة التقارب بين القوى الإقليمية في المنطقة لترسيخ مفاهيم التعايش والنماء، وبأن الأفول سيكون مصيراً محتوماً لكل التنظيمات المسلحة وأولها هذا الحزب المخادع المتطرف.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store