Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ما بين التاريخ والآثار مسافات

ما بين التاريخ والآثار مسافات

A A
إن الأصل في صناعة التاريخ والحضارة التجمع البشري، وهذا التجمع البشري ينتج علاقات متباينة اجتماعية ودينية وصولاً للعلاقات السياسية والاقتصادية، وهذه العلاقات ذاتها قامت على تجارب الإنسان واحتكاكه بالبيئة، وهذا الاحتكاك جعل منه يبتكر ويفكر ويبني، وانعكس هذا الاحتكاك في ظهور الآثار المتنوعة في ظاهر الأرض وباطنها، والتي تحكي ماضي تلك المجتمعات، والعمل على اكتشافها يؤكد أو يصحح العديد من المفاهيم، وخاصةً ذات الصلة بالهوية والثقافة.. ومن هنا تبتدئ وظيفة الباحث في التاريخ، والذي يقوم بالبحث والتحقيق والتحليل والتعمق في قراءة المصادر والمقارنة بينها، ومن ثم يبني حقائق جديدة أو يصحح مفاهيم خاطئة، ومن ثم يسهم في بناء وتنمية المجتمعات، ونقل الموروث التاريخي والحضاري للمجتمعات اللاحقة بصورة صحيحة.

التاريخ والآثار «التراث الثقافي المادي وغير المادي بمفهومه اليوم» كما تصنفه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» التي تنظر إلى أن التنمية المستدامة لن تحقق بدون عنصر ثقافي، وهذا النهج يركز على الإنسان ودوره في التنمية على أساس الاحترام المتبادل والحوار المفتوح بين الثقافات، وهذا ما أدركته المملكة وركزت عليه في رؤيتها الطموحة.

والجدير بالذكر أن أقسام التاريخ والآثار منفصلة في بعض الجامعات، والبعض من هذه الأقسام أدرك أهمية الجمع بينهما، فبدأ بتأسيس قسم يشملهما، أضف إلى ذلك معظم البعثات الأثرية لا تستعين بالباحثين في التاريخ إلا في مجالات ضيقة وممكن أن نسميها نادرة.. والمرشدون السياحيون من تخصصات متباينة خارج إطار التاريخ والآثار، ومن ثم نقول: هناك بطالة، وسوق العمل لا يسع أعداد الخريجين..

كما يجب على المتخصصين توعية المجتمع بأهمية التاريخ والآثار وعلاقتهما بالهوية الوطنية، وذلك بعمل حملات توعوية بشكل دوري توجه إلى المدارس والمراكز والجهات الحكومية وغير الحكومية، وتشمل كذلك المراكز التجارية والترفيهية، وعقد شراكات تعزز من مكانة وأهمية التاريخ والآثار والتراث الوطني بشكل عام.

لذا يجب أن ننبه إلى أهمية الدمج بين الكليات والأقسام ذات الصلة بالموروث التاريخي والحضاري، واستحداث أقسام أخرى تعمل على تقديم المعارف والمهارات وخدمة المجتمع، أضف إلى ذلك عقد شراكات بين الأقسام لتدريس المقرارات من خلال تحديث الخطط الدراسية؛ لتواكب متطلبات التعليم والتعلم وسوق العمل ورؤية المملكة ٢٠٣٠ التي ترتكز على المحافظة على الإرث التاريخي والحضاري وحفظه وتقديمه للأجيال اللاحقة؛ لارتباطه الوثيق بالهوية الوطنية.

المملكة العربية السعودية أرض التاريخ والحضارة زاخرة ومليئة بالشواهد الأثرية، ومبادرة «نقوش السعودية» التي أطلقتها وزارة الثقافة بإشراف من هيئة التراث تهدف إلى بناء مجتمع واع تجاه تاريخه وحضارته.. فمثل هذه المبادرات المتميزة الغاية منها ربط المجتمع بأرضه وهويته الثقافية، وتغيير الصورة الذهنية المأخوذة عن التاريخ والآثار من جمود ورتابة، وهي تؤصل وتعزز الصلة بين المواطن وتاريخه وحضارته.. فنحن ما زلنا في حاجة إلى مثل هذه المبادرات الفريدة التي تنمي الحس الوطني، وترتقي بالفكر والمعرفة والمهارات، وتعزز مكانة المملكة إقليمياً ودولياً.

وفي مجمل القول: يجب على الباحثين والمتخصصين في التاريخ والآثار والتراث العمل جنباً إلى جنب لدعم القطاعات ذات الصلة بالموروث الحضاري.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store